مثال لتقريب المعنى:
لنفرض أن طفلاً اصطحبه أبوه لإجراء عملية جراحية له كفتح دمل مثلاً أو خراج وأمسكه أبوه بيديه"وبدأ الطبيب يعمل عمله والطفل يصرخ مستغيثاً بأبيه"ليه سبتنى" وهو فى الواقع لم يتركه بل هو ممسك به بشدة ولكنه قد تركه للألم وتركه فى حب...هذا نوع من الترك مع عدم الإنفصال...نقوله لمجرد تقريب المعنى والقياس مع الفارق..
إن عبارى"تركتنى"تعنى أن آلام الصليب كانت آلاماًحقيقية وآلام الغضب الإلهى كانت مبرحة...فى هذا الترك تركزت كل آلام الصليب.وكل آلام الفداء.
هذه العبارة لا تعنى أن لاهوته قد ترك ناسوته ولا أن الآب قد ترك الإبن...لا تعنى الإنفصال وإنما تعنى أن الآب قد تركه للعذاب.
إن لاهوته لم يترك ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين...بهذا نؤمن.
إذن ما معنى عبارة"لماذا تركتنى"؟
ليس معناها الإنفصال وإنما معناها:تركتنى للعذاب.تركتنى أتحمل الغضب الإلهى على الخطية.هذا من جهة النفس.أما من جهة الجسد فقد تركتنى أحس العذاب وأشعر به.كان ممكناً ألا يشعر بألم بقوة اللاهوت...ولو حدث ذلك لكانت عملية الصلب صورية ولم تتم الآلام فعلاً وبالتالى لم يدفع ثمن الخطية ولم يتم الفداء..
ولكن الآب ترك الإبن يتألم والإبن قبل هذا الترك وتعذب به وهو من أجل هذا جاء...كان تركاً باتفاق...من أجل محبته للبشر ومن أجل وفاء العدل...تركه يتألم ويبذل ويدفع دون أن ينفصل عنه.
أما عبارة"لماذا تركتنى"فلم تكن نوعاً من الإحتجاج أو الشكوى إنما كانت مجرد تسجيل لآلامه وإثبات حقيقيتها وإعلاناً بأن عمل الفداء سائر فى طريق التمام.-من كتاب(كلمات السيد المسيح على الصليب)للبابا شنودة الثالث