إذاً لا يصح ولا يحق لنا أن نحاول النظر إلى مضامين الوحي الإلهي في أي جزء من أجزاءه في معزل عن المسيح. صحيح أن هناك تفاوت في درجات الإشارة إليه. هذا صحيح ليس بين سفر وآخر فحسب، بل أيضاً بين جزء وآخر في نفس السفر. فبعض أجزاء الوحي الإلهي تبدو للتو مرتبطة ارتباطاً مباشراً بشخص المسيح، أمثال تلك هي النبوات التي خصته بتفصيل عجيب. والبعض الآخر يتطلب فهم ارتباطه بيسوع المسيح المزيد من التأمل والدراسة. لكن مهما تكن درجات الإشارة إليه في نصوص الوحي تبقى تلك النصوص مبهمة ومشوهة المعالم ما لم يتم فهمها في محيط مجمل بحث ما كشفه الله للبشر عبر التاريخ والذي يصل إلى قمته في شخص المسيح.
هذه بالذات هي الحقيقة الأساسية التي قصد الوحي الإلهي الكشف عنها في الرسالة إلى العبرانيين. فهي تبدأ هكذا: "الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثاً لكل شيء الذي به أيضاً عمل العالمين، الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، وبعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا، جلس في يمين العظمة في الأعالي (1: 1-3).