ما معنى تلك التفاصيل عن الطقوس الذبائحية في العهد القديم في الوقت الذي كشف فيه الأنبياء عن عدم جدوى تلك الذبائح بالنسبة لإرضاء الله ؟ يقول الرب على فم أشعياء في مطلع نبوته (أشعياء 1: 11): "بدم عجول وخرفان وتيوس ما أسر". بل أنه يواصل هجومه عليها قائلاً : "لا تعودوا تأتون بتقدمةٍ باطلة. البخور هي مكروهة لي..." (الآية 13). والنبي ميخا يتساءل: "هل يسر الرب بألوف الكباش بربوات أنهار الزيت، هل أعطي بكري عن معصيتي ثمرة جسدي عن خطية نفسي؟" (نبوة ميخا 6: 7).
مع كل نفي لوجود أي قيمة كفرية في تلك الذبائح بحد ذاتها فإن الله أوصى بها ووضع لها نظاماً منسقاً ومفصلاً في أسفار التوراة، لماذا؟ لو حاولنا فهم ذلك خارج نطاق الرمز والإشارة والتحضير لذبيحة المسيح الكفارية الحقيقية لكنا نضيع أوقاتنا ومجهودنا عبثاً. فوجود تلك الذبائح الرمزية كان مهماً بل لازماً وضرورياً لتوجيه البشر وفتح عيونهم لحاجتهم الماسة لعمل إلهي بدلي يؤدي إلى مغرفة خطاياهم. تلك الذبائح إنما كانت ترمز مسبقاً لما كان الله يحضر لعمله في المسيح.
توضح الرسالة إلى العبرانيين ذلك بكل جلاء "... موسى بعدما كلَّم جميع الشعب بكل وصيةٍ بحسب الناموس أخذ دم العجول والتيوس مع ماء وصوفا قرمزياً وزوفا ورش الكتاب نفسه وجميع الشعب قائلاً : (هذا هو دم العهد الذي أوصاكم الله به) والمسكن أيضاً وجميع آنية الخدمة ورشها كذلك بالدم، وكل شيءٍ تقريباً يتطهر حسب الناموس بالدم وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة". (الرسالة إلى العبرانيين 9: 19-22).