وكما هو مستحيل على العقل البشري أن يفهم أعماق الروح القدس بدون نعمة الله المجانية هكذا يستحيل أيضاً على العالم النفساني أن يعطي تفسيراً وافياً لطريقة التجدد. وكل محاولة لإقناع النفس غير المتجددة بكون الكتاب من أصل إلهي بواسطة براهين علمية وتاريخية لا تكون نتيجتها إلا الفشل، ويجب أن يعدل عنها كما فعل الرب يسوع حينما امتنع عن إقناع مجلس السنهدريم بأنه لم يرتكب جريمة التجديف لأنهم كانوا قد صمموا مسبقاً على إدانته. وهذا هو المبدأ الذي تمسكت به الكنيسة منذ القديم فبينما كان أتباع الحركة الإنسانية يصرحون بأن العقل البشري يتمتع بالسلطة النهائية، وقف المسيحيون المؤمنون وقفة واحدة في الاعتراف بأن الله وحده هو صاحب السلطان التام والمطلق وبأنه يتكلم بواسطة الكتاب المقدس.
إذاً لا يتوقف إيمان المسيحي على براهين خارجية، بل على الاختبار الداخلي. وهو يحيا بواسطة الكتاب المقدس ويتمتع بنوره. لديه ثقة داخلية وجدانية - سمها بالباطنية أو ما شئت من الأسماء- بأنه من أولاد الله ويثق بالكتب المقدسة التي هي كلمة الله. مع أن البراهين الخارجية تساعده على تنقية وتقوية إيمانه، فإن برهانه المطلق بأن النظام المسيحي هو النظام الحقيقي إنما يجده في شهادة الروح القدس في قلبه وهو يقرأ الكتاب في اختباراته المسيحية. وقد لا يكون قادراً على إبراز برهان علمي لمجابهة النقاد في ميادين تخصصاتهم، إلا أنه يستطيع طرد كل شكوكهم بالطريقة التي لجأ إليها الرجل الأعمى الذي شفاه المسيح الفادي إذ أجاب على كل اعتراض قدمه الفريسيون بتلك القناعة التي لا تصدر إلا عن تأكيد غير متزعزع. "أخاطئ هو، لست أعلم إنما أعلم شيئاً واحداً. إني كنت أعمى والآن أبصر" الإنجيل حسب (يوحنا 9: 25).