وبهذا الخصوص علينا التمييز دائماً بين النظريات والافتراضات العلمية وبين الحقائق العلمية المبرهنة بكل وضوح. فنظريات العلم هي مثل تيارات البحر المتنقلة، بينما الكتاب المقدس قد جابهها على مدى ألفي سنة كصخرة جبل طارق. وحتى الآن لم يظهر بأن الكتاب المقدس قد ناقض حتى ولو حقيقة واحدة من الحقائق العلمية المبرهنة. فالبيانات التي يعطيها عن نشوء العالم وعن النظام الرائع الذي نراه في كل أنحاء الكون يتفق مع مكتشفات العلم الحديث لدرجة مدهشة للغاية، وهذا ما لا نراه في الكتب القديمة المليئة بالخرافات. فليس هناك إذاً أي تناقض واقعي أو حقيقي بين الكتاب المقدس والعلم.
السبب الرئيسي لوجود كثير من البلبلة بخصوص العلاقة بين العلم والدين يعود لفشل الكثيرين من الناس في التمييز بين الحقائق المثبتة والآراء الشائعة في وقت معين. فالعلم الحقيقي يتناول الحقائق المثبتة فقط، أما الآراء فقد تختلف بحسب اختلاف الناس الذي يعبرون عنها. لنأخذ مثلاً نظرية النشوء والارتقاء، فإذا ما قبلها الإنسان فليس هناك مجال لما وراء الطبيعة ولا للإيمان بتعاليم الكتاب المقدس. ولكن هذا المذهب ليس بعلم مثبت، بل هو مجرد نظرية أو افتراض غير مبرهن. وهناك الكثير من العلماء النوابغ الذين لا يعتقدون بتلك النظرية بل يؤمنون بأن الله تعالى قد خلق العالم والكون بأسره من لاشيء. ورجل الدين الذي لم يختص في العلوم الطبيعية ليس له الحق بأن يتكلم عن الأمور العلمية. وكذلك ليس للعالم المختص بالعلوم الطبيعية الذي لم يختبر قوة الروح القدس المجددة، الحق في أن يغزو حقل الدين وأن يتكلم بسلطان عن أمور دينية تقع خارج نطاق تخصصه. ومجرد أن لفرد معين مقدرة وخبرة ضمن حقله الخاص لا يخوله حق الحكم في مواضيع تقع خارج نطاق ذلك الحقل. الدين الحقيقي والعلم الحقيقي لا يتناقضان أبداً، ولكن سيكون هناك دائماً البعض من رجال الدين والمتدينين والبعض الأخر من أهل العلم على اختلاف في آرائهم على مر الأجيال. لقد أنتج العلم، والحق يقال، أشياء مدهشة، ولكن نطاقه يبقى محدوداً ومحصوراًُ في الجانب المادي من الحياة وليس له أي سلطان للتكلم عن أمور روحية. وحيثما أصبح العلم الطبيعي بديلاً عن الدين، تجده قد تحول بدون شك إلى مسيحٍ كاذب.