إن اللغة البشرية هي في أفضل حالاتها أبعد من أن تكون كاملة لتستطيع أن توضح كمال العقل الإلهي. ومن نحن حتى نحصر عمل الروح القدس في أسلوب واحد للكلام غير قابل للتغيير! إن كتبة العهد الجديد اهتموا في أكثر الأحيان بإعطاء صلب الحقيقة أكثر من اهتمامهم بالأسلوب، وهكذا نراهم يعبرون عن الحقيقة بتنوع وخصب، عوضاً عن أن يتبعوا شكلاً موحداً غير قابل للتغيير. فإذا أخذنا ما سبق بعين الاعتبار فإننا نزيح بذلك الكثير من التناقضات المزعومة. وفوق ذلك فإذا ما وجدنا فقرة قابلة لتفسيرين متباينين، أحدهما يتفق مع بقية أسفار الكتاب، بينما لا يتفق الآخر معها، فإننا مضطرين بحكم الواجب أن نقبل التفسير الأول. سواء أكان البيان موضوع التساؤل في الكتاب المقدس، أو في سجلات تاريخية أو في مستندات قانونية، فالمبدأ المقبول للتفسير هو أنَّ المعنى الذي يطابق بقية الكتاب أو الصك هو الذي يجب أن يُرجح على الذي يجعله غير مطابق له أو غير معقول. والتصرف على أي أساس آخر هو تعصب أعمى واتخاذ جانب الخطأ هو غير إثبات وجوده. ومن المؤسف أن الكثيرين من نقاد الكتاب المقدس إنما أهملوا هذه القاعدة نظراً لرغبتهم الجامحة في تدمير الثقة التامة بكلمة الله!
والكثير مما يدعى بـ "صعوبات أخلاقية" في العهد القديم تظهر كذلك لمجرد كون البعض لا يأخذون بعين الاعتبار أن الوحي هو متدرج في الكتاب المقدس. بالطبع يطلب منا نحن الذين نعيش في العصر المسيحي والذين نتمتع بنور العهد الجديد أن نكون على مستوى أرفع بكثير من الذين عاشوا في العصور السابقة. وهنا أيضاً نرى صدق قانون التدرج المذكور في الإنجيل حسب (مرقس 4: 28) "أولاً نباتاً ثم سنبلاً ثم قمحاً ملآن في السنبل". فسوء التفاهم ينتج عن الفشل في التمييز بين ما تسجله الأسفار المقدسة فقط وبين ما تحبذه من تصرفات البشر.