لا يمكننا أن نفسر الوحدة المدهشة للكتاب المقدس على أي أساس آخر غير مصدره الإلهي. فهو من جهة كتاب واحد، ومع ذلك فإنه يتألف من ستة وستين كتاباً اشترك في كتابته لا أقل من أربعين كاتباً، في مدة لا تقل عن ألف وست مئة سنة. والكتاب أنفسهم انتموا إلى طبقات مختلفة في مجتمعهم. فالبعض كانوا ملوكاً وعلماء حاصلين على أفضل ثقافة وعلوم متوفرة في تلك الأيام، وغيرهم كانوا رعاة وصيادي سمك بدون أي ثقافة رسمية. فمن المستحيل أن يكون قد حصل تواطؤ فيما بين هؤلاء الكتاب، ومع ذلك فنحن لا نجد فيما كتبوه سوى نظاماً واحداً في العقائد والأخلاق. إن روح المسيح ووجهة نظره تطغيان على العهد القديم منذ بدايته في سفر التكوين حيث نقرأ بأن نسل المرأة يسحق رأس الحية إلى الناموس الموسوي حيث تشير كل الطقوس والذبائح إلى عمل المخلص، إلى المزامير وكتب الأنبياء حيث يختم النبي ملاخي العهد القديم بهذا الوعد "الرب الذي تنتظرونه سيأتي بغتة إلى هيكله". أما موضوع العهد الجديد بأسره فهو "المسيح المصلوب" وهكذا ليس في حيز الوجود أي كتاب آخر عبر التاريخ البشري يتمتع من قريب أو بعيد بهذه الظاهرة الفريدة التي نجدها في الكتاب المقدس.
وحتى القارئ العرضي يلاحظ البون الشاسع الذي يفصل هذا الكتاب عن الكتب البشرية الأخرى، وكأننا نقرأ "قدُّوس، قدُّوس، قدُّوس على كل صفحة من صفحاته. وعندما نباشر بقراءته نلاحظ تواً انه يكلمنا بسلطان، ونشعر بالفطرة أننا مضطرون إلى الإصغاء. وهكذا نرى أنفسنا مرغمين على السؤال "من أين أتى هذا الكتاب؟" وبما أنه فريد في القوة التي يبديها، سامٍ في المبادئ التي يضعها، وبما أنه يعيد مراراً وتكراراً بأنه من مصدر إلهي، ألا نكون محقين في الإيمان بأن هذا الكتاب هو في الواقع كلمة الله بالذات؟