حدثنا مستر مودي في كتاب ((الكلمة الحمراء)) عن سيدة ذهب زوجها إلى كاليفورنيا بحثا عن الرزق , وعندما صادفه النجاح , أرسل إلى زوجته لتأتي إليه مع ابنهما الوحيد ! استقلت الزوجة الباخرة , وأقلعت الباخرة متجهة صوب هدفها المقصود , ولم يمض وقت طويل حتى سمع ركابها صراخ شديد ((النار النار)) , وأدرك القبطان أن الباخرة سيكون مصيرها الدمار لأنها كانت تحمل شحنة من ((البارود)) , فأسرع بإنزال قوارب النجاة , وطلب من ركاب السفينة الإسراع في النزول , وفي لحظة خاطفة كانت جميع القوارب ممتلئة بالناس , وكانت الأم وولدها على ظهر الباخرة التي ينتظرها الحريق !! وصرخت الأم متوسلة ((خذوني وخذوا ولدي)) لكن ركاب القوارب رفضوا أخذهما إذ لم يكن لهما موضع في أي قارب للنجاة وبكت المرأة بالدموع , حتى رق لها قلب الركاب , وقالوا لها : إننا لا نستطيع أن نأخذ سوى شخص واحد في القارب وبلا تردد احتضنت الأم ولدها , وقبلته قبلة الوداع , ثم قالت له : ((يا ولدي الحبيب , إذا قيض الله لك الحياة حتى ترى أباك , فقل له أن أمي ماتت عوضا عني ماتت لكي تهبني أنا الحياة))
إننا نقف أمام تضحية هذه الأم لأجل ابنها وقد أحنينا رؤوسنا في إجلال !! وكل تضحية في الوجود تثير في القلب مشاعر الاحترام والتقدير , فهل يمكن أن يكون الله أقل تضحية من خليقته ؟!
إننا نقف خاشعين أمام أب يحترق ليخلص أحد أولاده من الحريق !! أو جندي يثبت في موضعه حتى الموت لينقذ فرقته من الدمار !! أو شاب يلقي بنفسه وسط الأمواج العاتية لينقذ إنسانا أشرف على الغرق !! وفي كل هذه الصور نحن نرى فلسفة ((البديل)) , ونرى في هذا البديل شهامة تستحق منا المحبة والإجلال والتوقير !
ومع ذلك فان هذه الصورة مجتمعة , لا تعبر إلا تعبيراً باهتاً ضعيفاً عن تضحية المسيح البريء , وموته الاختياري على الصليب , ليخلص الإنسان من العقاب والهلاك , ويريه كيف دخل معه في معركة الموت لينقذه إلى الأبد من هذا العدو الرهيب
لقد حاول الإنسان ب أن أحس بعريه المشين , أن يستر عري نفسه بأوراق التين , لكن هذه الأوراق جفت وآلت إلى ذبول ! وهنا ((صنع الرب الله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما)) , ومعنى ذلك أن الخلاص هو من ((صنع الله وحده)) , وأنه ليس من أعمال الإنسان. أو مجهوده , أو تفكيره , بل معناه كذلك أن الخلاص لم يتم إلا عن طريق ((الدم)) الذي سفك لستر عري الإنسان , وهذا الرمز قد تم بأجلى بيان في صليب المسيح فهناك أتم الله عملية الفداء وأنقذ الإنسان من العار , والعري , والشقاء كما يقول بولس الرسول ((لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله 0 ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد)) ( أفسس 8:2 و 9 )