سحقه الله، لكنه حاول أن يحتمل ويتجلّد فلم يستطع، لان الله أجازه في التنور ورفع درجة الحرّ والضغط حتى ذاب الذهب وانصهر (ملا ٣: ٣/ مز ٦٦: ١١)، فظهر الزغل وصفّاه الخزّاف الأعظم (ار ١٨)...
مَن هو الانسان حتى يجلس الرب بصبر ويصفّيه من كل ذات (ملا ٣: ٣) ويمتحنه كل لحظة!. طلب أيوب من الله أن يتركه ويدعه وشأنه أو يميته أو يناقشه، لكن الرب علم ما هو فاعل، عرف الداء والدواء والعلاج لقلب أيوب وقالبه والمدة الكافية لأصاغة وصقل عبده الذي أحبّه وافتخر به، أدخل أيوب الى التنّور وأخرجه في اللحظة المناسبة...
لكن ايوب انشغل باعماله الصالحة وعدّدها كل يوم، واتّهم الله بانه يستذنبه، ثم تذكّر ماضيه الباهر ومضغ كرامته قبل مصيبته وقال: " يا ليتني كما في الشهور السالفة!" (اي ٢٩)، وتفكّر في كيف احترمه الجميع وأكرمه الكل وطوّبه الشيوخ والغلمان، وكم مِن صلاح عمل! حين أنقذ المسكين وأعان الاعمى والاعرج والفقير، حتى قال لبست البِرّ فكساني (٢٩) لكنه سرعان ما تذكّر انه قد فقد كل هذا ! (٣٠) فرثى نفسه وبكى حالته وندب لأن صار أغنية للاخرين وعار، يحتقره حتى العبيد والإماء... ولم يصدّق كيف هوى في لحظة من المجد والكرامة الى الهوان والحضيض، ولم يجد مَن يعزّيه ومّن يبكي لحاله بل تعِب وضجر حتى مِن أصحابه!...