ومن هذه الوجوه كلها تتضح شخصية المسيح الفريدة التي لا يدانيها نبي أو رسول، ويرفع المسيح فوق المخلوقين إلي صلة خاصة بالله. فهو روح من الأرواح الشريفة العالية القدسية، ولم يرد عن بشر أنه منها ولو كان خاتم النبيين، وقول الرازي هذا أو من نقل عنه يفترض أن روحاً علوية أي أحد الملائكة المقربين قد تجسد وظهر في شخص المسيح، ومن يقول بذلك فالأجدر به أن يقول مقالة الإنجيل "إن كلمة الله تجسد وصار إنساناً".
وهو روح من نفخة جبريل : إذا قصدوا جبريل كمصدر للمسيح فهذا قول هراء فليس جبريل بخالق ولا عنده نخة خلاقة ! وإذا قصدوا أنه الواسطة المعجزة فما أتوا بتفسير لشئ إذ إنه روح الله بمعزل عن جبريل. وعلي كل حال فشرف الواسطة يدل علي شرف الغاية.
أما قوله سمي روحاً لأنه كان رحمة من الله علي الخلق : ليس هذا من باب التفسير بل من باب المقارنة التي لا تفي. ومع ذلك ففيه إقرار بفضل المسيح علي الخلق كلهم : ولم يرد مثل هذا الفضل لأحد من البشر كما ينسب القرآن والمفسرون إلي المسيح.
أما قوله سمي روحاً لغاية طهارته في مولده فمن باب الاستدلال لا من باب التفسير، وإن كان فيه إقرار بسمو تكوين المسيح الذي انفرد به.