ففي قوله "من روحه" يعبر عن صدوره من الله، وفي قوله "روح منه" يعبر عما هو في ذاته.
فلفظ "روح منه" تعريف بالمسيح وبشخصه يدل علي مصدره الذي هو الله. فهل الروح المكونة للمسيح والتي صارت المسيح في مريم هي منسوبة إلي الله نسبة خلق أم نسبة مصدر ؟ نقول : إنها نسبة مصدر لأنها تفسير للقب السابق "كلمته وروح منه". ولنلاحظ أن القرآن يعطف "روحاً منه" علي قوله "كلمته" : فالإسمان يفسر أحدهما الآخر : فالمسيح هو كلمة الله وروح الله" : كلمة الله من حيث الأقنوم، وروح الله من حيث الطبيعة.
وبما أن "روحاً منه" خبر من المسيح في الآية 170 المذكورة فلا يجوز أن نموه فيه بكل أنواع التعابير التي وردت في القرآن عن الروح إذ يتغير معني "الروح" من آية إلي آية، كما رأيت، ويدل علي المعني المقصود النص المحيط به والقرائن اللفظية والمعنوية الداخلة عليه. ففي تحديد المسيح، في سورة النساء، تعبير مستقل عما سواه : يظهر منه جلياً أن المسيح روح الله، قد صدر منه، صدور الفكر من العاقل، صدور كلمة الله من الله.
فروح الله اسم آخر للمسيح غير كلمة الله، وهو معطوف عليه لتفسيره، وكلاهما معطوفان علي "رسول الله" لبيان شخصية هذا الرسول الفريدة : فالألقاب الثلاثة تتساند، ويوضح بعضها بعضاً، ويفسر بعضها بعضاً ويكمل بعضها بعضاً : "إنما المسيح عيسي ابن مريم : رسول الله وكلمته وروح منه".