وإلي ذلك فإن لفظ "الكلمة" ورد في آل عمران 45 مذكراً "بكلمة اسمه المسيح" فالهاء في "اسمه" تعود إلي كائن ذكر، وأما قوله في النساء "كلمته ألقاها إلي مريم" فأنثها حملاً علي اللفظ، لأن معني التذكير صريح من الأسماء الثلاثة المحيطة به "رسول الله وكلمته وروح منه".
فهذا "الكلمة" الملقي إلي مريم هو "روح من الله" فكيف يكون مجرد أمر ؟ هو "رسول الله" فكيف يكون مجرد كلام ؟ هو "المسيح عيسي ابن مريم" فكيف يكون شيئاً لا شخصاً ؟ لا جرم أن الأمر الإلهي خلاق ولكن ليس له صلة مولود برحم مريم.
"والكلمة" المبشر به له اسم معروف "اسمه المسيح عيسي ابن مريم" (آل عمران 45)، "والكلمة" الملقاة إلي مريم اسم شخص له خمسة ألقاب غيرها تحيط بها وتوضحها (نساء 170)، فوجودها بينها يدل علي أنها مثلها اسم علم لعيسي.
"ألقاها" : فالكلمة الملقاة كائنة قبل أن تلقي إلي مريم وقبل مريم : فهذا الابن الذي سيولد، موجود قبل أمه !!
"يبشرك بكلمة منه" مولود مريم كائن قبل مريم وهو "منه" أي من الله لا من العدم ! بل لا يمكن أن يكون من العدم كسائر المخلوقين لأنه "كلمة من الله".
"منه" تدل علي صلة المصدر : قال الببضاوي "ذو روح صدر منه" إذن عن طريق الصدور لا عن طريق الخلق، وإلا فما معني هذه التأكيدات التي خص بها : "كلمته، كلمة منه، وروح منه" إذا كان يتساوي في طريقة واصل وجوده مع سائر الناس ؟
ورسول الله، المسيح عيسي ابن مريم، امتاز بين الرسل بأنه "كلمة الله" وروح منه" (نساء 170) ولقب روح الله يوضح أن الكلمة شخص لا مجرد كلام. وأن هذا الشخص "الكلمة" هو "روح الله" أو "روح من الله" علي السواء. وهذان اللقبان يصفان رسول الله المسيح أفضل وأكمل وصف يميزه عن سائر الأنبياء والمرسلين، بعلاقة مصدرية أقنومية عقلية روحية إلهية.
"فكلمة الله" المسيح عيسي ابن مريم، رسول الله وروحه، ليس هو إذن كلام الله الخارجي الذي يخلق به الله أو يأمر به أو يوحي به : بل هو كلام الله الداخلي الجوهري "القائم بذات الله".