اسئلة الناس للبابا شنودة
أرجو أن تحدثنى عن الفضول أو التطفل، لأننى مصاب به، وأريد أن أتركه، وأحب أن أعرف أبعاده وأخطاءه.·
التطفل، أو حب الاستطلاع، هو محبة معرفة أسرار غيرك وخصوصياته، سواء عن طريق القراءة، أو السمع، أو الكلام، بطريق مباشر، أو غير مباشر. والتطفل أمر خاطىء سواء من الناحية الروحية أو الاجتماعية. والمفروض فى الناس أن يحترموا خصوصيات الآخرين وأسرارهم حتى فى محيط العائلة. فليس من حق الأب أو الأم أن يفتح خطابات الابن مثلاً، وليس من حق الزوج أو الزوجة أن يعبث فى جيوب أو أدراج أو أوراق الطرف الآخر. ليس من حق أحد أن يستمع حديثاً "ليس له أن يسمعه، فهذا نسميه زنا الآذان. وليس من حقه أن يرى خفية ما لا يجوز له رؤيته. فكل هذا لون من التجسس على الآخرين لا يليق بشخص روحى... على أن التطفل قد يكون علناً، وليس بالتجسس. مثال ذلك إنسان يرهق غيره بالأسئلة حول أمر خاص به، قد لا يريد أن يتحدث عنه! ولكنه يتابعه بالأسئلة، وربما عن تفاصيل التفاصيل، لكى يعرف منه كل شىء... وقد يعتذر المتطفل بالدالة، أو بالرغبة فى الاطمئنان. ولكن الدالة لها حدود لا تتعداها. كذلك الرغبة فى الاطمئنان لها أيضاً حدود. ومعرفة الأخبار لا تأتى بالقسر والضغط. وهناك فرق كبير بين شخص يريد أن يطمئن، وشخص يريد أن يعرف، وأن يعرف كل شىء..! لذلك نصيحتى لك أن تسال: فإن وجدت ممن تسأله عدم رغبة فى الإجابة، أو عدم رغبة فى الإستفاضة، والدخول فى دقائق الموضوع، لا تلح عليه بكثرة الأسئلة. لأن من صفات الفضولى أو المتطفل أنه لحوح.. وغالباً يحاول أصدقاؤه ومعارفه أن يهربوا منه ومن أسئلته الكثيرة وحب استطلاعه. وقد يغضب من هذا ويعاتب، وهم فى خجل من مكاشفته بتطفله، وبعدم رغبتهم فى الإجابة. أحرج المواقف، هى أن يلتقى المتطفل بالخجول. والخجول لا يستطيع أن يصده، وقد لا يستطيع أن يغير مجرى الحديث ليهرب من الأسئلة المتطفلة، وهكذا يحرج! والمتطفل يرى هذا الحرج، ولكنه لا يبالى، لأنه يريد أن يعرف الأخبار، بل ويريد أن يعرف أسباب هذا الحرج! والمتطفل قد لا يكتفى بمعرفة أسرار الشخص الذى أمامه فقط، وإنما قد يرغمه على كشف أسرار غيره! إنه لا يسأله عن نفسه فقط، وإنما عن الآخرين .. ماذا قلت لهم، وماذا قالوا ؟ وماذا فعلوا ؟ وما شعورهم فى الموقف الفلانى، وما تصرفهم، وما رأيهم ؟ وما علاقتهم بك؟ وماذا عن عائلاتهم وأصدقائهم وباقى خصوصياتهم ؟!.. بل قد يدخل فى الاعترافات أيضاً بطريقة محرجة.. والإنسان المتطفل، ترى حواسه دائماً غير هادئة... نظراته غير مستقرة، وغير محتشمة، وغير أمينة، وقد تكون مكشوفة يلاحظها غيره.. وكذلك مسامعه.. وقدماه غير مستقرتين، يجول هنا وهناك، يسأل، أو يستمع، أو يحشر نفسه بطريقة غير لائقة وسط أحاديث لم يُدعَ لها.. وقد يتدخل فى علاقات، ليس من حقه أن يعرفها. ربما علاقات عائلية فى منتهى السرية، ربما علاقات بين زوج وزوجته، أو بين صديقين أو صديقتين، أو أسرار خاصة بالعمل لا يجوز إفشاؤها.. وقد لا يفيد من هذا كله شيئا. وقد لا يستطيع الاحتفاظ بسرية ما يسمع.. أما من جهتك أنت فى التطفل، فنصيحتى لك هى: 1- تعود أن تحترم خصوصيات غيرك. وأن تقتنع بأن لكل إنسان أسراره الخاصة التى لا يجب أن يقولها حتى لأعز أصدقائه. كما أنك أنت أيضاً لك أسرارك... 2- اسأل نفسك باستمرار: ما شأنى بهذا الأمر؟ ما هو حقى للتدخل فيه ؟ قل هذا لنفسك، بدلاً من أن يتجرأ غيرك فيقول لك، ويحرجك. 3- ضع حدوداً للدالة فى علاقاتك بالآخرين. 4- إن سألت أحداً عن شىء خاص به أو بغيره ووجدته غير مستعد للإجابة، أو فى أجاباته تهرب أو محاولة لغلق الموضوع، فلا تلح عليه. 5- لا تحاول أن تقرأ خطابات غيرك، أو تعبث فى كتبه أو أوراقه، وإن وقع فى يدك شىء من هذا، فكن محتشماً، ولا تحاول أن تطلع على ما ليس من حقك. 6- كن عفيف النظر، عفيف السمع، عفيف اليد. 7- احرص على معارفك وأصدقائك، حتى لا تفقدهم بالتطفل.
نذرت أن أظل صائماً حتى تنتهى الحرب. وكان ذلك منذ سنوات. فهل هذا النذر حلال أم حرام ؟ كذلك ما رأيكم فى من ينذر أن يعمد ابنه فى القدس أو فى دير من أديرة الصعيد القديمة ؟ كذلك ما رأيكم فى شاب ينذر البتولية ؟·
حقاً إن الكتاب قال "خير لك أن لا تنذر، من أن تنذر ولا تفى" (جا5: 5). والنذر عبارة عن اتفاق بين الإنسان والله، ولا يجوز الرجوع فيه. ولكن ينبغى أن يكون النذر سليماً من الناحية الروحية، لأنه لا يصح أن تبرم اتفاقاً مع الله فيه خطية. فى إحدى المرات نذر اليهود أن يظلو صائمين، حتى يقتلوا بولس الرسول (أع 23 : 12). وكان نذرهم خاطئاً وحراماً.... إذن ليس كل نذر حسب مشيئة الله، بعضه حرام. لقد نذر يفتاح الجلعادى، إن رجع منتصراً، أن يقدم للرب محرقة أول من يقابله من بيته (قض11 : 30). فقابلته ابنته العذراء، فوفى بنذره وقدمها محرقة! ويقيناً إن الله ما كان يرضى عن هذا الأمر مطلقاً، وكان النذر حراماً فلم يأمر الرب فى شريعته بتقديم البشر محرقات! كذلك نذر الأبوين أن يعمدا ابنهما فى مكان بعيد، ربما لا تمكنهما الظروف من الوصول إليه، فيه مخاطرة بمصير الابن. فلو مات مثلاً دون أن يعمد، كيف يتحملان مسئولية أبديته.. كذلك حرمانه من التقدم من الأسرار المقدسة، إلى أن يعمد حينما تواتيهما الظروف، هو حرمان من نعمة وبركة تعمل فيه، يتحمل الأبوان مسئوليتها أمام الله. فمثل هذا النذر خطأ تماماً، وبخاصة لأن مفعول المعمودية لا يتغير من مكان إلى آخر، بل هو هو .. أما أخذ بركة مكان معين، أو قديس معين فعلى الرغم من المخاطرة، ينبغى أن يكون فى حدود الرغبة، ولكن لا يرتقى أبداً إلى مستوى النذر. هذه المخاطرة تجعلنا نحكم لاهوتياً، بجواز كسر النذر. فالأعمار بيد الله، وقد يموت الطفل، وهو فى ملء الصحة. أما إذا كانت هناك خطورة على صحة الطفل، فيجب كسر النذر فخطأ كسر النذر، أخف من موت الطفل بلا عماد، وهنا نكون قد اخترنا أخف الأمرين. وفى كلا الحالين، ينبغى أن توقع عقوبة كنسية، على من نذر هذا من الوالدين. عموماً قدموا هذه الأمور كرغبات، وليس كنذور، صلوا وقولوا: وفقنا يارب فى أن نعمد ابننا فى المكان المقدس الفلانى. ولكن لا تنذروا. وفى نفس الوقت لا تتباطأوا فى التنفيذ، فقد قال الكتاب "إذا نذرت نذراً لله، فلا تتأخر عن الوفاء به" (جا5 :4). أما عن نذر البتولية، أو نذر الرهبنة، فلا أنصح به لصغار السن، أو لحديثى العهد بالحياة الروحية. إنه ليس حراماً، لأنه ليس خطأ فى طبيعته، ولكن فيه خطورة إن كانت الفكرة تأثراً أو حماساً مؤقتاً، أو إن صاحب النذر حروب شديدة من جهة الجسد جعلته يندم على نذره، أو يتمنى الرجوع فيه، أو يشتهى الزواج، أو يحيا فى الخطية. بدلاً من أن تنذروا البتولية، قدموها كرغبة أو صلاة. قل له: إننى اشتهى يارب أن أكون بتولاً أو راهباً، فامنحنى هذه الرغبة إن وافقت مشيئتك. أما الكبار، الناضجون روحياً، الذين جربوا أنفسهم طويلاً، وساعدتهم النعمة على حياة النصرة، فلا مانع من أن ينذروا أنفسهم للرب، ولكن ننصحهم بعدم التأخر لئلا يثير عليهم عدو الخير حروباً لا داعى لها. أما عن نذر الصوم حتى تنتهى الحرب، فهو غير عملى. من قال إن الحروب تنتهى فى العالم ؟ إنها مستمرة وستظل مستمرة حتى نهاية العالم كقول الكتاب (مت24). أما إن كان النذر بخصوص حرب معينة محددة لمكان. وكان صاحب النذر ناضجاً، وقادراً على الصوم، فلا مانع. ولكن فى أمور الصوم، ينبغى استشارة أب الاعتراف، وكذلك فى نذر البتولية والرهبنة. فلا يصح أن يسلك الإنسان فى هذه الأمور بحسب فكره بدون مشورة. وإن كان لا يستشير أب الاعتراف فى أمثال هذه الأمور الهامة، ففيما يستشيره إذن ؟ وعموماً ينبغى أن لا ينطق الإنسان بالنذر، بسرعة. الأمر يحتاج إلى ترو وتفكير ومشورة وصلاة، قبل النذر...
قال القديس بولس الرسول: "صرت لليهودى كيهودى لأربح اليهود.. وللذين بلا ناموس، كأنى بلا ناموس، مع أنى لست بلا ناموس لله، بل تحت ناموس المسيح، لأربح الذين بلا ناموس" (1كو9: 20 ، 21). فما معنى هذا الكلام ؟·
كان الرسول يتكلم عن الكرازة، وتوصيل رسالة الإنجيل، فيقول: إن اليهودى يؤمن بالناموس والأنبياء، فلكى أقنعه برسالة المسيح، أكلمه كيهودى، عن الناموس والأنبياء، وما فيهما من أمور متعلقة بالمسيح. أما اليونانى، وأمثاله من الذين بلا ناموس، فإنهم لا يؤمنون بالكتاب، ولا بالأنبياء، لذلك أكلمهم بأسلوبهم، وأجذبهم إلى الإيمان بالفلسفة لأربحه للمسيح، وكذلك لو كلمت اليونانى عن الأنبياء.. لا أربحه أيضاً للمسيح. ولكن عبارة "صرت لليهودى كيهودى" لا تعنى السلوك اليهودى. فالقديس بولس الرسول حارب التهود بكل قوته. كان بعض اليهود الذين اعتنقوا المسيحية، يريدون أن يدخلوا فيها بعض العقائد اليهودية كالختان، وحفظ السبت، والمواسم، والأهلة، وما يختص بالأكل والشرب من محللات ومحرمات، وسائر القواعد اليهودية فى النجاسات والتطهير. وعرفت هذه الحركة باسم (التهود). وقد قال الرسول فى محارباته لليهود "فلا يحكم عليكم أحد فى أكل وشرب، أو من جهة عيد أو هلال أو سبت، التى هى ظل الأمور العتيدة" (كو2 : 16 ،17). وعبارة (أكل وشرب) هنا لا تعنى الصوم، وإنما تعنى طهارة الأكل أو نجاسته على حسب الأطعمة التى كانت محرمة فى اليهودية، ولم تعد كذلك فى المسيحية. والقديس بولس الرسول قد كرز وسط اليهود، كما كرز بين الأمم. وفى كرازته فى رومه، كلم اليهود أولاً. فلما رفضوا وانقسموا، اتجه بعد ذلك إلى الأمم (أع 28: 17 – 29). ولكى يربح اليهود، كان يتكلم فى الهيكل، وفى مجامع اليهود، ويحاول أن يقنعهم بما ورد عن المسيح فى الناموس والأنبياء.