4) أسطورة الشبه : وهتاك أسطورة غريبة يتناقلها القوم، ويسف بعض المفسرين إلي الأخذ بها، ألا وهي قصة " الشبه" ، ومضمونها أنه لما مكر اليهود بالمسيح ليقتلوه مكر الله بهم، فألقي شبه عيسي علي غيره فأخذ هذا الغير المسكين وقتل بدل المسيح فيما المسيح عيسي ابن مريم يرفع حياً إلي السماء (نساء 157) وكان الله خير الماكرين (آل عمران 54).
فهذا التعبير "شبه لهم" من هذه الآية "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم" (نساء 156) أصل الرواية التي أخرجوها. وقد أثارت جدلاً طويلاً عقيماً وانقسم القول حول الموضوع فرقاً : هل قتل أحد بدل المسيح أم لا ؟ وعند من قالوا بمقتول بدل المسيح هي ألقي علي المقتول شبه عيسي أم لا؟ وهل يجوز إلقاء شبه إنسان علي إنسان آخر؟ وبعد أن يسرد الرازي برصانته المعهودة روايات الشبه الملقي يختم بقوله : "وهذه الوجوه متعارضة متدافعة، والله أعلم بحقائق الأمور".
ثم يورد الرازي اشكالات ستة لا مرد لها علي فساد نظرية "الشبه" الذائعة بين عامة المسلمين : "فكيفما كان ففي إلقاء شبه عيسي علي الغير إشكالات : (الأول) إنه إن جاز أن يقال أن الله تعالي يلقي شبه إنسان علي إنسان آخر فهذا يفتح باب السفسطة ويفضي أيضاً إلي القدح في التواتر: ففتح هذا الباب أوله سفسطة وآخره إبطال النبوءات بالكلية. (الثاني) إن الله أيده بروح القدس جبريل، فهل عجز هنا عن تأييده ؟ وهو نفسه كان قادراً علي إحياء الموتي فهل عجز عن حماية نفسه؟ (الثالث) إن الله تعالي كان قادراً علي تخليصه برفعه إلي السماء فما الفائدة في إلقاء شبهه علي غيره، وهل فيه إلا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟ (الرابع) بإلقاء الشبه علي غيره اعتقدوا أن هذا الغير عيسي مع أنه ما كان عيسي، فهذا كان إلقاء لهم في الجهل والتلبيس، وهذا لا يليق بحكمة الله. (الخامس) إن النصاري علي كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح وغلوهم في أمره أخبروا أنهم شاهدوه مقتولاً مصلوباً، فلو أنكرنا ذلك كان طعناً فيما ثبت بالتواتر والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوة محمد وعيسي وسائر الأنبياء. (السادس) ألا يقدر المشبوه به أن يدافع عن نفسه أنه ليس بعيسي، والمتواتر أنه فعل. ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلق هذا المعني. فلما لم يوجد شئ من ذلك علمنا أن الأمر ليس علي ما ذكرتم".
لذلك يجب رفض خرافة "الشبه" الشائعة بين المسلمين إلي حيث لا رجعة. ورفضها لا يغير من موقف القرآن، ومقالة النساء، شيئاً.