هذا التخريج يسمي : جر الجمل بشعرة !
1- ياقوت يقول في كتابه (المشترك وضعاً، والمختلف صقعاً) : "فاران إسم جبال مكة. وقيل اسم جبال الحجاز. وقال أبو عببيد القصاعي في كتاب (خطط مصر) : وفاران والطور كورتان من كور مصر القبلية. وفاران أيضاً من قري صفد سمرقند، ينسب إليها أبو منصور الفارابي". فهناك إذن أربعة أماكن تحمل اسم فاران، فلا يصح حصر النبوة بفاران الحجاز. هذا إذا صح أن العرب سمت جبال مكة، أو جبال الحجاز، فاران.
2- والكتاب يفسر بعضه بعضاً، فلا يصح تفسيره بغيره. ومتي قامت الدلائل والقرائن في نص، فلا يصح تأويلها بغيرها . إن إشارات التوراة كلها تجعل فاران قرب سيناء (تك 14 : 5 - 6، تك 21 : 21، العدد 10 : 12، 12 : 16، 13 : 3)، علي طريق هجرتم من مصر إلي فلسطين، ولم يمروا علي الإطلاق بالحجاز. وسفر التثنية يصف دخول أرض الموعد، بقيادة الله لشعبه، في مراحل الغزو: من سيناء، إلي سعير، إلي فاران، إلي الأرض المقدسة . ويذكر الكتاب أن داود "نزل إلي برية فاران" (1صموئيل 25 : 1، 1 ملوك 11 : 18)، ولا يذكر الكتاب علي الإطلاق أن داود غادر فلسطين إلي الحجاز.
3 - النص المذكور يصف بطريقة شعرية مراحل غزو فلسطين: فلا يصح أن نرى فيها منازل الوحي التي يذكرون وبنص القرآن القاطع كان الوحي إلي محمد بواسطة جبريل (البقرة 89)، لا من الله مباشرة. والآية التوراتية تقول : "جاء الرب" أي الله نفسه، والكلام استعارة شعرية، فلا تسمح القرائن أن تحملها علي الحقيقة والواقع فتحريجهم بأداة النص جملة وتفصيلاً .
البشارة الرابعة :" وأما اسماعيل فقد سمعتلك فيه : ها أنا أباركه، وأثمره، وأكثره جداً، فيلد اثني عشر ولداً. وأجعله أمة كبيرة" (التكوين 17 : 2)
قالوا : هذه النبوة تجعل من ولد اسماعيل من سيكون سيد شعب كبير وهذا لم يتحقق في ولد اسماعيل إلا بمحمد فنبؤة الكتاب تذكره . بل ظاهر النص يقضي علي هذا التخريج فكما أن التوراة تذكر لإسرائيل اثني عشر سبطاً، كذلك تذكر لإسماعيل اثني عشر ولداً، أجداداً لأمة كبيرة ولا مكان في النص لفظاً أو معني للنبوة أو للدولة وسيادتها. وكانت العرب المستعربة من ولد اسماعيل تملأ الحجاز قبل ظهور محمد: فتمت النبؤة قبله.