وقد نجد عند أرسطو والغزالي ما يشبه من بعض الوجوه هذا التحليل :
فأرسطو يقول - علي حد ما نقل عنه الشهرستاني : "المسالة الثالثة في أن واجب الوجود لذاته عقل لذاته، وعاقل ومعقول لذاته - عقل من غيره أم لم يعقل - أما أنه عقل فلأنه مجرد عن المادة، منزه علي اللوازم المادية، فلا يحجب ذاته عن ذاته، وأما أنه عاقل لذاته فلأنه مجرد لذاته، وأما أنه معقول لذاته فلأنه غير محجوب عن ذاته بذاته أو بغيره" (الملل والنحل ، ص 313) : فالله إذن عاقل وعقل ومعقول في ذاته الواحدة، ومثل هذا "التثليث" في الذات الواحدة لا يتنافي مع وحدانية الله.
وقال حجة الإسلام الإمام الأول الغزالي : "يعتقدون أن ذات الباري واحدة ولها اعتباران : فإن أعتبرت مقيدة بصفة لا يتوقف وجودها علي تقدم وجود صفة قبلها، كالوجود، فذلك المسمي عندهم بأقنوم الآب. وأن اعتبرت موصوفة بصفة يتوقف وجودها علي تقدم وجود صفة قبلها، كالعلم، فإن الذات يتوقف اتصافها بالعلم علي اتصافها بالوجود فذلك هو المسمي عندهم بأقنوم الابن والكلمة. وان أعتبرت بقيد كون ذاتها معقولة لها فذلك المسمي عندهم بأقنوم روح القدس. فيقوم إذن من الآب معني الوجود، ومن الابن أو الكلمة معني العالم، ومن روح القدس كون ذات الباري معقولة له. هذا حاصل هذا الاصطلاع، فتكون ذات الإله واحدة في الموضوع موصوفة بكل أقنوم من هذه الأقانيم. ومنهم من يقول : إن الذات، إن اعتبرت من حيث هي ذات، لا باعتبار صفة البتة، فهذا الاعتبار عندهم عبارة عن العقل المجرد وهو المسمي بأقنوم الآب. وإن اعتبرت من حيث هي عاقلة لذاتها فهذا الاعتبار عندهم عبارة عن معني العاقل وهو المسمي بأقنوم الابن والكلمة. وأن اعتبرت بقيد كون ذاتها معقولة لها فلهذا الاعتبار عندهم هو المسمي بأقنوم معني المعقول، روح القدس. فعلي هذا الاصطلاح يكون العقل عبارة عن ذاته بقيد كونها عاقلة لذاتها، والابن أو الكلمة مرادفين له، والمعقولية عبارة عن الإله الذي ذاته معقولة به، وروح القدس مرادفاً له. هذا هو اعتقادهم في هذه الأقانيم. وإذا صحت المعاني فلا مشاحة في الألفاظ" (الرد الجميل على إلهية المسيح ، ص 43.. ولعل من العجب في هذا الكتاب الذي كتب خصيصاً للرد على ألوهية المسيح ! أنه يقول : ذات الله عاقل وعقل ومعقول ).