استنتاج وتطبيق
نستنتج مما تقدم أن التثليث الذي ينكره القرآن غير التثليث المسيحي الذي يعلمه الإنجيل. كل من الإنجيل والقرآن يقصد غير ما يعنيه الآخر. والمسيحيون يعتقدون غير ما ينكر المسلمون.
1) تصريح الإنجيل
فالثالوث المسيحي مبني في الإنجيل علي وحدانية الله، لا إله إلا هو. سئل السيد المسيح : "أي وصية هي أولي الوصايا جميعاً ؟ فأجاب الأولي هي : اسمع يا إسرائيل : الرب إلهنا الرب الوحيد فأحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل ذهنك وكل قوتك. فقال له الكاتب : حسن يامعلم لقد أصبت إذ قلت أنه الوحيد ولا آخر سواه" (مرقس 12 : 28 - 34). ومع هذا الإقرار الصريح بالوحدانية الإلهية فالتصريح بالتثليث لا ريب فيه، وقد ختم المسيح حياته ورسالته وإنجيله بقوله لتلاميذه الحواريين : "لقد دفع إلي كل سلطان في السماء وعلي الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم. وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام إلي انقضاء الدهر" (خاتمة متي).
فهذا الإعلان النهائي سبقته تصاريح متعددة عن الوحدة بين المسيح الابن والله الآب : "ووقع عيد التجديد في أورشليم وكان شتاء وكان يسوع يذهب ويجئ في الهيكل في رواق سليمان فتحلق اليهود حوله وقالوا له : "حتي متي تريب أنفسنا ؟ إن كنت أنت المسيح فقله لنا جهراً ! أجابهم يسوع : لقد قلته لكم ولا تصدقون، والأعمال التي أعملها باسم أبي هي تشهد لي ... (ثم قال) أنا والآب واحد ! حينئذ تناول اليهود من جديد حجارة لكي يرجموه. فأجابهم لقد أريتكم أعمالاً حسنة كثيرة من عند الآب فلأي عمل منهما ترجموني ؟ أجابه اليهود : لسنا لعمل حسن نرجمك بل لأجل التجديف ولأنك تجعل نفسك إلهاً وأنت إنسان ! فأجابهم يسوع : أوليس مكتوباً في ناموسكم : "أنا قلت إنكم آلهة" ؟ فإن كان يدعو آلهة أولئك الذين صارت إليهم كلمة الله - ولا يمكن أن ينقض الكتاب - فأنا الذي قدسه الآب وأرسله إلي العالم تقولون لي أنك تجدف ! لكوني قلت : أنا ابن الله ؟ إن كنت لا أعمل أعمال أبي فلا تصدقوني، ولكن إن كنت أعملها ولا تريدون أن تصدقوني فصدقوا هذه الأعمال لكي تعلموا وتعترفوا أن الآب في وأني في الآب" (يوحنا 10 : 22 - 42).
فهذه الوحدة بين الله الآب والمسيح الابن ليست معنوية بل جوهرية، والمسيح هو ابن الله ليس علي طريق الاصطفاء أو علي سبيل المجاز، بل حسب الطبيعة "لكي تعلموا وتعترفوا أن الآب في وأني في الآب" (10 : 38)، ثم يعود إلي الشهادة ذاتها مع تلاميذه : "قال له فيلبس : يارب، أرنا الآب وحسبنا، قال له يسوع : أنا معكم كل هذا الزمان ولا تعرفني ؟ يا فيلبس، من رآني فقد رأي الآب ! فكيف تقول أنت : أرنا الآب ! أفلا تؤمن أني أنا في الآب وأن الآب في ؟ الأقوال التي أكلمكم بها لا أتكلم بها من نفسي بل الآب المقيم في هو يعمل أعماله. صدقوني أني أنا في الآب والآب في. وإلا فصدقوا من أجل الأعمال" (يوحنا 14 : 3).