هذا ما يقوله المتخصصون في اللغة العبرية القديمة ، فالحروف التي نرى بها الكلمات ونستخدمها لكتابة النصوص العبرية باعتبارها اللغة الاصلية للعهد القديم، هي في واقع الامر مرحلة من تطور كتابة اللغة العبرية، وقد جاءت هذه الحروف من اللغة الآرامية، والتي بدورها اتخذت من الحروف العبرية الاصلية مصدرا لها قبل تكوينها.
هذا الشكل اللغوي لاختيار الحروف، يبدو طريقة متعارف عليها في القديم ، وقد عرفها يعرفها المصريون القدماء في شكل الحروف الهيروغليفية، او بلاد الرافدين في الحروف المسمارية، التي استخدموها في تكوين الكلمات والتعابير انطلاقا من وضع الاشكال والرموز بجوار بعضها البعض، وكان اختيار الكلمات (او صوت الاسم وحروفه) انما يتم بناء على فهم عميق لمعنى شكل او الصورة الرمزية للحرف التي تطلق على الشخص او الشيء الذي يراد تسميته.
ومن هذا المنطلق نستطيع ان نفهم بعض الاسماء والافعال التي اطلقها العبرانيون مستخدمين هذه الاشكال، خاصة اذا عرفنا ان ثقافة العبرانيين لايهتم بالشكل بل بالمضمون، ولذلك فقد وضع هذه الاشكال لتكوين وصف يعبر عن مضمون الاسم الذي ترسمه هذه الرسومات او الرموز،ومن ثم يأتي صوت حروف الاسم فيما بعد من تلقاء نفسه.[2]
وعلى سبيل المثال :

هذه صورة لكلمة عبرية من حرفين بالحروف القديمة، الحرف الاول (على اليمين) على شكل رأس ثور، هو اول الحروف العبرية، هو حرف (الف)، والمقابل لحرف الالف في العربية، وهو يرمز الى القوة (كما الثور)، والحرف الثاني والذي على شكل مسقط رأسي ل(بيت او خيمة) حيث اعتاد العبرانيون القدماء ان يسكنوا، هو حرف (بيت) المقابل لحرف الباء في العربية، وهو يرمز الى البيت والعائلة، وبوضع الحرفين معا فانه يشكل كلمة من حرفين (اب) اجمالا فانه يرمز الى دعامة البيت او قوة البيت، وكأن العبري القديم يريد ان يقول ان قوة البيت او دعامة البيت هو هذا الرجل الذي نسميه (اب) ، فالتسمية لم تأتي من فراغ ، بل هي صوت لرموز تشكل حروف، وهي قريبة الى نفس الكلمة في اللغة العربية (اب)، وبهذا المعنى فان العبراني يقصد رجل العائلة القوي، او دعامة البيت هو (صوت الرموز) الذي تصادف ان يكون (الاب).
مثال آخر:

هذه الصورة لكلمة ايضا من حرفين ، الحرف الاول كما في المثال السابق حرف (الف) يرمز الى القوة ، والحرف الثاني هو حرف (الميم) ويرمز الى المياة المتحركة ، ومعا فان الكلمة ترمز الى (المياه القوية)، وكان العبرانيون يقومون بغلي الماء واضافة جلود الحيوانات اليها، لاستخراج مادة لاصقة قوية ، بعد غليان هذا المزيج لفترة ، تتحول الى المياه الى مادة لزجة ، كانت تستخدم في البناء واغراض اخرى (المياه القوية) هي رمز الحرفين (ام) ، وكأن العبري القديم يريد ان يقول ان الذي يربط البيت معا ويقرّب الجميع من بعضهم هو ذلك الشخص او المرأة التي نطلق عليها اسم (ام).
مثال آخر :

كلمة اخرى من حرفين، الحرف الاول هو (الف) رمز القوة (كالثور) والحرف الثاني والذي على شكل سور الخيمة او البيت ، وهو حرف (الخاء)، وبوضع الحرفين بجوار بعضهما ، فانهما يرمزان الى حماية البيت او العائلة ، وبهذا فان اللغة العبرية تقصد ان تقول ان الحرفين يكونان كلمة (اخ) هذا هو مفهوم ما يكونه هذه الحرفين من معنى ، ان الشخص الذي يحمي البيت ويدافع عنه مع الساكنين فيه هو ما نطلق عليه صوت الحرفين ( اخ)، او كما نقول هذا الصوت الذي يشكله الحرفين في وقت الحاجة .
مثال آخر:

كلمة اخرى من حرفين ، الحرف الاول على شكل البيت او الخيمة وهو حرف (بيت) والحرف الثاني (نون) وهو الذي على شكل البذرة التي يزرعها الفلاح ، وبوضع الرمزين معا ، فانه يقول ان امتداد العائلة ، او البذرة الجديدة التي تزرع من البيت لينمو في اتجاه آخر هو تجميع هذين الحرفين (بن) ، المعنى هو الذي يشكل حروف وصوت الاسم ، وهو الكلمة العبرية التي تعني في العربية (ابن).
الامثلة تطول في هذا المجال ، وما وضعته كان امثلة فقط لاعطاء صورة لكيف يقوم العبراني القديم بوضع رموز الحروف لتشكيل الكلمات والاسماء، فهي لم تأت من فراغ او استحسان لغوي او صوت النطق ، فالعبري ابعد من ان يحكم على الامور باشكالها ، فهو يحكم على الشيء بمضمونه وفائدته.
وهذا يقودني الى الكلمة الختامية لهذا المقال ، هل ترى اول حرف وآخر حرف في اللغة العبرية ؟؟ الى ماذا يرمز ؟؟