(17) ظهور اليهودية وتطورها:
لا يمكن المغالاة في وصف أثر السبي كعامل في تطور "اليهودية"، فسبي يهوذا (كما يقول دكتور فوكس جاكسون) كان من أهم الأحداث في التاريخ الديني. فبالسبي "ينتهي تاريخ إسرائيل ويبدأ تاريخ اليهود". فإذ وجدوا أنفسهم بين شعوب وثنية، انفصلوا عن نجاسات جيرانهم، وتعلقوا بإيمان الآباء بإله إبراهيم. وإذ تعرضوا للسخرية والاحتقار من الأمم حولهم، تقوقعوا على أنفسهم وكوَّنوا مجتمعات منعزلة، أصبحت طابعًا لهم. لقد أصبحوا بلا وطن، وبلا طقوس، وبلا أساس مادي لحياتهم كشعب، فأدركوا أكثر من ذي قبل أهمية تراثهم الروحي الذي وصل إليهم من العصور الماضية، فبنوا قوميتهم - في محيطهم الجديد - على أساس الدين. لقد شجعهم أنبياؤهم -وبخاصة إرميا وحزقيال - بالكلام عن البركات الروحية التي لهم، وبالوعد بالعودة. فكما كان الأنبياء صريحين في الإنذار بالسبي، كذلك كانوا في التنبؤ بالعودة. فإشعياء بحديثه عن البقية، كما أن ميخا وصفنيا وإرميا وحزقيال وغيرهم، قد أناروا الأفق أمام الأمة بالحديث عن يقين العودة، ليس ليهوذا فقط بل لكل إسرائيل. فستعود جبال السامرة ووديان يهوذا تزهو بكرومها وتينها . بل لقد تنبأ إرميا عن مدة السبي عندما ذكر أن شعوب الأراضي سيخدمون ملك بابل سبعين سنة (إرميا 25: 12، 29: 10). وهكذا لم يجد المسبيون لهم من سند إلا في التمسك بشريعة موسى، فأصبحت الشريعة والمجتمع هما رابطة العقد.