(12) تمرد صدقيا وحصار أورشليم 588-586ق.م:
كانت تلك خطوة جريئة، ولم يكن في طوق نبوخذ نصر أن يقبل مثل هذه الخيانة من أحد أتباعه، فزحف على الفور إلى الغرب، وأوكل إلى نبوزرادان مهمة الاستيلاء على أورشليم، بينما أقام هو قاعدته في ربلة على نهر الأورنت في سورية . وفي تلك الأثناء عبر فرعون مصر مع جيشه الحدود لمعاونة حلفائه، وأجبر الكلدانيين على رفع الحصار عن أورشليم، والالتحام معه في معركة (إرميا 37: 5). وهنا خانته شجاعته، فقفل راجعًا على أعقابه قبل الدخول في معركة، فعاد نبوزرادان بجيشه لمحاصرة أورشليم، وضيَّق عليها الخناق أكثر من قبل.
وفى الفترة التي تنفست فيها أورشليم الصعداء، لانسحاب الكلدانيين، خرج إرميا من المدينة قاصدًا بلدته عناثوث في شأن عائلي (إرميا 37: 11-15)، وأكتُشف خروجه وأتهم بأنه "يقع للكلدانيين"، فقُبض عليه ووضع في السجن في بيت يوناثان الكاتب، وبينما هو في السجن ، استدعاه الملك وسأله: "هل توجد كلمة من قِبل الرب ؟ فقال إرميا (بلا خوف): توجد، فقال إنك تدفع ليد ملك بابل" (إرميا 37: 17). وبأمر من صدقيا الملك تمتع إرميا بعد ذلك بنوع من الحرية. ولكن إذ واصل تحريضه للشعب على الاستسلام، تعاهد أعداؤه على قتله، وألقوا به في جب ماء - ولم يكن به ماء بل وحل - حيث كان معرضًا لخطر الاختناق أو الموت جوعًا. ولكن الملك استدعاه مرة ثانية، ووعده بأنه لن يقتله ولن يسمح لأعدائه بالقضاء عليه، فأشار عليه النبي مرة أخرى بالاستسلام لملك بابل، وسُمح لإرميا بنوع من الحرية.