رتبة أخرى من الرهبان تسمو على الأولى
في ذلك السهل الكلي جماله صادفا جمعا آخر من الرهبان يشبهون الأولين إلا انهم كانوا أقل عددا إنما أكثر مجدا. فدار بينهما هذا الحوار:
- يا قديس الله، من هم هؤلاء؟ وما هي مآثرهم في الحياة حتى انهم ينعمون بمجد أكثر من أولئك الرهبان الذين رأيناهم اولاً ؟
- يا أخي، هؤلاء هم الرهبان الحاليون، رهبان هذا العصر الذين يجاهدون بملء اختيارهم رغم عدم وجود مرشد يقودهم ، مقلدين حياة الرهبان الأوائل ومرضيين لله كما أولئك تماما. لذا مُجدّوا هنا أبديا.
- في أيام كهذه زال فيها كل أثر للفضيلة، هل وجود مثل هؤلاء المختارين في العالم ممكن بعد؟
- إن هؤلاء المختارين قليلون جدا في هذه الأيام. بيد أن كل من يمارس ولو أصغر الفضائل ويحتمل، حسب استطاعته، أخاه ولا يدين أحدا، يرضي الله ويُدعى عظيما في ملكوت السموات.
وحيث أنه قد ضاع المثال الصالح ولم يبق إلا المثال السيء، فقد تكاثرت الأنانية وتعظم المعيشة والفساد والوقاحة، واضمحلت الحقيقة وساد الكذب. تفاقم الظلم وأفرخت كل أنواع الفسق والمكائد، ولم تعد افواه البشر وقلوبهم تلهج باسم الله، لذا أنى توجهت صادفت الشر أمامك.. فُقدت محبة الانسان لأخيه الانسان، وحلّ محلها الحسد والكراهية وبقية الأهواء الاخرى المشابهة. وكذلك قلْ عن الرحمة والحق والاهتمام بالاخر.
بناء على ما تقدم، قليلون جدا هم العاملون بالفضيلة اليوم. إنهم يمارسونها بسبب صلاحهم الخاص ونيتهم الخالصة. هؤلاء يكافأون أبديا، ويمجَّدون من قِبل إلهنا الكلي صلاحه أكثر من أولئك القديسين القدماء، الذين كانوا ممتلئين إيمانا حارا، ولم تتسنى لهم مواجهة الشر وجها لوجه، كما هو حاصل اليوم.