أطاع الاخ الأمر راسما إشارة الصليب وداعيا : "أيتها الفائقة القداسة والدة الاله ساعديني أنا الخاطئ ". يا للعجب! ماذا حدث؟! لقد أحس أخونا، للحال، وكأنه تزود بقوة غريبة وتمنطق بشجاعة فائقة، فهرب من نفسه كل أثر للخوف رغم ان الجسر كان يرتجف كالورقة. استغرق مسيرهما فوق الجسر ساعات عديدة وصلا بعدها الى سفح الجبل. إلا أن مرشده رغم ذلك استمر ممسكا بيده وهكذا تابعا سيرهما غير منفصلين.
بدا صعودهما الجبل صعودا صعبا، إلا إنه كان مفرحا بسبب وجود أشجار الزيتون النضرة والعديد العديد من الأزهارالجميلة التي سيجت طريقهما يمينا ويسارا.
وفي أعلى القمة كان ينتظرهما باب كبير مفتوح على مصراعيه، فرشما نفسيهما بعلامة الصليب ثلاث مرات ثم دخلاه، فرأى الأخ إواصاف سهلا عظيما جدا نورانيا، كأنه احد الأجرام السماوية يمتد أمام ناظريه. كان أكبر من ذاك الذي صادفه في بداية الطريق. إن الكلمات تعجز مقصرة عن رسم صورة جمال هذا السهل لأنه لا يشبه أي شيء أرضي. فلا قلم يستطيع وصفه. ولا عقل يستطيع أن يدرك ما رآه الأخ إواصاف.
لأنه بمقدار ما كانا يمضيان قدما، بقدر ما كان يشتد سبي عقله بسبب تناغم المكان وحلاوته، فاشتهى المكوث هناك الى ما لا نهاية.
خلال مسيرهما صادفا الكثيرين من الأشخاص في ثياب رهبانية، غير انها لم تكن سوداء بل ضاربة الى الحمرة، لامعة كالنور، وكانت وجوههم تتلألأ كالشمس. البعض منهم كانوا شبانا يافعين والبعض الآخر متقدمين في السن. إلا انهم كانوا يتمتعون كلهم بجمال واحد أخّاذ.
ولما دنا منهم الأخ إواصاف، مع مرشده، استقبلوهما بفرح وعانقوهما بمحبة كبيرة متوجهين نحو المرشد وقائلين: "افرح أيها الشهيد العظيم جاورجيوس، افرح يا حبيب المسيح ".
أما هو فأجابهم بدوره:
"افرحوا انتم أيضا أيها الأبرار، يا أحباء المسيح".