لماذا تكلّم يسوع بالأمثال ؟
تكلَّم يسوع بالأمثال لأن التكلُّم بها طريقة تعليمية وتربوية ممتازة تتفَّوق في بعض الأحيان على الكلام الصريح، ذلك لأن للأمثال جاذبية خاصة تستأثر بها انتباه السامعين، وتقرّب إليهم فهم الأمور حتى المعقّدة والمُستعصية منها.
إن هذا الجواب العام لا يكفي وحده للردِّ على السؤال الذي طرحه التلاميذ على المعلم الإلهي، لأنّ يسوع كان يتوخَّى في ضرب أمثاله إصابةَ أهدافٍ ثلاثةٍ محددة، لا هدفٍ واحد. وإذا أردنا معرفة هذه الأهداف الثلاثة فلابدَّ لنا من أن نعود إلى البحث عن هدف كل نوع من أنواع الأمثال الثلاثة، العقائدية والأخلاقية والنبويّة التي ضربها يسوع تارةً للشعب عامةً، وتارةً أُخرى لرؤساء الشعب خاصة، وهم الكتبة والفريسيون وعلماء الشريعة. وإليكم الحديث عن كل نوع من هذه الأنواع الثلاثة لنطّلع على الأهداف التي أراد يسوع إصابتها عندما كان يتحدَّث بالأمثال عن ملكوت الله.
1- الأمثال العقائدية ضرب يسوع الأمثال العقائدية ليحمل السامعين له من أبناء الشعب على التفكير والتأمل واكتشاف الفكرة العقائدية التي يحويها المثل، لا ليشعروا، بعد بذل الجهد الشخصي، بلذّة الاكتشاف العقلية فحسب، بل لترسخ الفكرةُ العقائدية المكتشَفة في نفوسهم وتكون في نهاية الأمر موضوع إيمانهم. لقد ضرب يسوع مثل "الزارع" ليفسح لهم المجال لأن يفكروا في معناه، ويتأملوا فيه، ويطرحوا على ذواتهم الأسئلة التالية: مَنْ هو الزارع؟ وما هي الأرض التي سقط فيها الحبّ؟ ولماذا بعضُ الحبّ أثمر؟ وبعضه لم يثمر؟ ولماذا تفاوتت كمية الحبّ الذي أثمر، فكانت قليلة في بعض الأرض وغزيرة في بعضها الآخر؟ إنَّ الأَجوبة عن هذه الأسئلة لا تُنشِّط الفكر وتنشئ فيه المسرَّة العقلية فقط، بل تُثبِّت الإيمان وترسخّه في قلب السامع المفكّر الذي اكتشف أن الزارع هو يسوع نفسه، وأن الزرع هو كلام الله، وأن الأرض التي وقع فيها الحبّ هي قلبه. فيرجع إلى نفسه ويقول: لابدّ من أن أفتح قلبي لكلام الله ليتوطّد فيه هذا الكلام، وأحيا حياةَ الإيمان بيسوع الذي نقل إليَّ كلام الله.