لقاء مع أمير المؤمنين:
استغل فرنسيس هدنة عقدت بين فريديريك الثاني والملك الكامل (السلطان الأيوبي في مصر), فعزم على المثول إلى ديار المسلمين لمحاورتهم عوضاً عن مقاتلتهم, رغم معارضة القادة العسكريين والأساقفة. فاصطحب أحد الإخوة ومضى, ولم يكن يعتبر أحداً عدواً بل كان يرى في كل إنسان صديقاً محتملا ً؟ وما لبث أن اعترضه ورفيقه، جنود الملك، فهتف بأعلى صوته "سلطان ! سلطان!"، فأوثقهما الجنود ومضوا بهما إلى المعسكر, حيث أوضح فرنسيس رغبته في محاورة السلطان.. وكان الملك الكامل من سعة الفكر والتسامح, والاهتمام بالنقاش حيث رحب بالراهبين, وسرعان ما أخذت السلطان بالراهب مشاعر المحبة والإعجاب وانعقدت بينهما وشائج صداقة حميمة, ودعا السلطان فرنسيس إلى البقاء بجواره.. فاعتذر فرنسيس, فأغدق الملك الهدايا على فرنسيس الذي رفضها كلها رغم حث السلطان له على أخذها وإنفاقها على الفقراء, ويقال إنه اقتصر من كل تلك الهدايا على بوق بات يستعين به على دعوة الناس إلى سماع عظاته.
ويُقال إن الملك الكامل قد دعا فرنسيس للصلاة معه في أحد المساجد فلم يتردد القديس في الاستجابة لتلك الدعوة, وقال: "إنني سأدعو, .. ربي, فالله في كل مكان"!..
ولا ريب أن ذلك اللقاء قد قوم لدى كل من الرجلين فكرة مسبقة خاطئة عن معتقد الآخر, فاتضح لفرنسيس أنه يمكن أيضا عبادة الله الواحد خارج المسيحية, كما تبين للملك الكامل أنّ المسيحيين الحقيقيين هم دعاة حب وسلام. وبالإجمال كانت تلك حقاً خطوة "مسكونية" قبل الأوان. وقد شقّ فراق الرجلين على كليهما, وأنفذ الملك مشيعين واكبوا فرنسيس ورفيقه حتى مخيم المسيحيين.
اضطر فرنسيس للعودة إلى إيطاليا مسرعا إثر خلاف نشب بين أتباعه، حيث تنازل في عام 1221 عن رئاسة الرهبنة تواضعاً وتيسيراً للأمور, ثم واصل وعظه, ومضى في حياة التقشف.(33) باذراً أينما حل كنوز كلامه وفضيلته.