حيث أدرك في تواضعه بأنّ الدعوة لم تكن إلى بناء كنائس من حجارة فحسب بل إلى بناء كنيسة النفوس أيضاً.
وأمام أسقف المدنية وبمشهدٍ مؤثر أعاد إلى والده ما لديه من مال وكذلك الملابس التي كان يلبسها {نتيجة شكوى من والده عليه إلى الأسقف} (16).
شعور رائع بالتحرر والانطلاق، والفرح الدافق، كان يستولي على نفس فرنسيس بعد أن تجرد من كل شئ .
قلة من البشر هم الذين تسنى لهم مثل هذا الشعور، وقد حدثنا عن مثله غاندي الذي صرح بأنه: مذ تجرد من كل امتلاك، اغتنت تجربته بعناصر أربعة: الحياة والقوة والحرية والفرح.
في مطلع عام 1208 م كان فرنسيس في حوالي السادسة والعشرين من عمره وقد أصبح إنسانا آخر! وبينما هو في كنيسة مريم سيدة الملائكة سمع في قراءة القداس الإنجيلية آية أثرت فيه تأثيرا بالغاً: "اذهبوا وأعلنوا البشارة وقولوا: قد اقترب ملكوت السماء".. فأوحت هذه الوصية الإلهية لفرنسيس بتجاوز العزلة التي جاء إليها يبحث عن الله وسط طمأنينة الحقول وتغاريد العصافير. فقد تبين له السبيل الواجب عليه سلوكه, سبيل الحياة الإنجيلية, بعثته على أن يطوف الأرض هاتفا بكلمة المعلم ... وإذا به يزهد أكثر، فأخذ يخاطب الجماهير.. وهكذا أصبح واعظاً. وعلى آثار يسوع كان فرنسيس يمر بالقرى والمدن يعمل الخير ويعظ بحب الله و التقوى والتواضع, وكانت الجموع تخرج لملاقاته يحمل بعضهم أغصان الزيتون يهتفون: هو ذا القديس، ها هو القديس!