إلا أنه تمهل، ونزل عن جواده، ولم يأنف من معانقة هذا الأبرص وتقبيله فشعر أنه أمسى شخصاً جديداً، وبأن نوراً جديداً سطع في باطنه، وعاطفة جديدة شرعت تطفح من قلبه... وبعد ذلك توجه إلى خدمة البرص، وصار يتردد إلى المستشفيات، ويزور السجناء، ويدافع عن المضطهدين، ويعزي الحزانى...
وقد ترك فرنسيس في وصيته ما يلي: "عندما كنت أتخبط في الخطايا، كان يشق علي أن أشاهد البرص، لكن الرب اقتادني إليهم، فانقلب الأمر عذباً على قلبي وجسمي حتى هجرت العالم".. "إنّ نعمة الله تجعل المستحيل ممكناً" (12).
لقد حررته قبلته للأبرص من أغلال خانقة كانت تكبله، وكان ذلك أعظم انتصار حققه فرنسيس، إذ انتصر على ذاته وبات حقاً سيد نفسه (13).
ولكل امرئ ٍ في حياته، أبرص من نمط ٍ خاص، لا بدّ أن يتجرأ فيقبله، كي يظفر بالتحرر..
بعد ذلك انقطع فرنسيس إلى الخلوة في كنيسة داميانس القديمة {وهي كنيسة متصدعة البناء} وهناك خُيل إليه أنه سمع صوت يسوع، يقول له: "قم يا فرنسيس رمم بيتي المتداعي" (14).. وفي مراجع أخرى: "قم يا فرنسيس أصلح كنيستي" (15)..
لم يظن فرنسيس أنّ هناك معنى آخر لقول يسوع فراح يرمم بيديه الكنائس والمعابد المتداعية المتصدعة، إلا أنّ العناية الإلهية ما لبثت أن أقامت من فرنسيس صياداً للنفوس...