تنبؤه بارتداد رجل متزوج
27- مشى فرنسيس يوماً قاصداً قرية تشيلّه دي كورتونا سالكاً الطريق الممتدة على سفح قلعة ليشانو بالقرب من مقر إخوة بريدجو. وحدث أنّ سيدة من أشراف تلك المدينة خرجت مسرعة لتكلم القديس. رأى أحد الإخوة تلك السيدة تقترب وقد أنهكها المشي، فقال لفرنسيس: ”يا أبتِ، حباً بالله، لننتظر تلك السيدة التي تلحقنا لتكلمك وقد أرهقها التعب“.ولما كان فرنسيس رجلاً مملوءاً محبة وشفقة فقد توقف وانتظرها. ولما رآها تقترب وقد أخذها العياء وفي قلبها مثل تلك الحرارة والتقوى، قال لها: ”ماذا أقدر أن أعمل لك يا سيدتي؟“ أجابت السيدة: ”يا أبتِ، أرجوك أن تعطيني بركتك“. سألها فرنسيس: ”هل أنت متزوجة أو عزباء؟“ قالت: ”يا أبت، منذ مدة طويلة، أعطاني الرب الرغبة بخدمته، ولي أيضاً رغبة كبرى بأن أخلّص نفسي. لكن لي رجل قاسٍ جداً وهو يعادي نفسه ويعاديني في ما يخص خدمة المسيح. لهذا فإني أشعر بألم عميق وبحسرة تحزنني حتى الموت“. تأمل فرنسيس بما عندها من حرارة في النفس، وخاصة عندما رآها صبية نحيلة البنية، فتحنن عليها وباركها وصرفها بهذه الكلمات: ”اذهبي الآن،تجدي زوجك في البيت، فقولي له من قِبَلي اني أصلي من أجله ومن أجلك، حباً بالرب الذي قاسى آلام الصليب لأجلنا حتى يخلص نفسيكما في بيتكما“.انصرفت المرأة وعادت إلى بيتها فوجدت زوجها كما قال لها فرنسيس. فسألها: ”أين كنت؟“ قالت: ”كان لي لقاء مع فرنسيس. باركني وعزاني بالرب وفرحني بكلماته، كما أنه كلفني بأن أحرّضك وأسألك باسمه أن نخلص نفوسنا ونحن ملازمان بيتنا“.عند تلك الكلمات، وبفضل استحقاقات فرنسيس، نزلت نعمة الله فجأة في قلب ذلك الرجل. فأجابها برقة ولطف وقد حوّله الله كلياً: ”يا سيدتي، من الآن وصاعداً، وبالطريقة التي ترينها، لنبدأ بخدمة المسيح وخلاص نفوسنا كما أوصاك فرنسيس“. أجابت المرأة: ”يا سيدي، أظن أنه حسن لنا أن عيش في العفة، فإنّها فضيلة ترضي الله جداً وتجلب جزاءً كبيراً“. وافق الرجل: ”إذا كان ذلك يروق لك، فإنّه يروق لي أيضاً. إنّي أريد أن أضم إرادتي إلى إرادتك في هذا الموضوع وفي كل عمل صالح آخر“.من ذلك اليوم وطيلة سنوات عديدة عاش الإثنان في العفة، يوزعان الصدقات بسخاء على الإخوة وغيرهم من الفقراء. ودهش العلمانيون بل الرهبان أيضاً من قداسة ذينك الزوجين لاسيما أن الرجل بعد أن كان في الماضي علمانياً فقد تحول بسرعة واتّسم بروحانية عميقة. ثبتا في طريقهما وفي سائر الأعمال الصالحة حتى النهاية وتوفيا الواحد بعد الآخر بأيام قليلة. وأجريت لهما جنازة كبرى لأجل العطر المنبعث من حياتهما الطيبة وهما يمجدان ويباركان الرب الذي منحهما من بين المواهب الكثيرة نعمة خدمته بوحدة حميمة في القلب بل إن الموت لم يفصلهما لأنّهما انطفأا الواحد تلو الآخر. وكل الذين عرفوهما يعتبرونهما قديسين حتى أيامنا هذه.