في مدحه للتسوّل
3- لما بدأ الإخوة يأتون إلى فرنسيس، كان مغتبطاً جداً من ارتدادهم ومن مرافقة أولئك الذين أهداهم إليه الرب. كان يحيطهم بمحبة فائقة وبتقدير رفيع حتى إنّه لم يكن يقترح عليهم أن يذهبوا ويستعطوا خشية أن يخجلوا من ذلك، حسب ظنّه، تجنباً لإحراجهم، كان يذهب وحده كل يوم لطلب الصدقة، مما سبَّب له إرهاقاً جسيماً كونه من أساسه نحيل البنية وقد تعوّد وهو في بيته أن يعامل جسده بنعومة، ومن جهة ثانية فإنّه بعد تركه العالم قد زاد على جسده ضعفاً لكثرة ما فرض عليه من تقشّفات وإماتات صارمة. وبما أنّه اعتبر أنّه لم يعد قادراً على حمل مثل تلك المشقة، وأنّ التسوّل هو من أساسات دعوة الإخوة، حتى ولو شعروا بالنفور من الاستعطاء ولم يعتادوا عليه مطلقاً، بل انّه لن يخطر ببالهم أن يبادروه بالقول: نريد نحن الذهاب لطلب الصدقة?، قال لهم فرنسيس:إخوتي الأعزاء وأبنائي، لا تخجلوا من الذهاب لطلب الصدقة، فإنّ الرب صار فقيراً لأجلنا في هذا العالم. ونحن اقتداءً به وبأمه القدّيسة قد اخترنا طريق الفقر الحقيقي. إنّه ميراثنا الذي اكتسبه الرب يسوع المسيح تركه لنا ولكلّ الذين يريدون أن يعيشوا مثله في الفقر المقدس. وأضاف: الحق أقول لكم، إنّ عدداً كبيراً من النبلاء العلماء في هذا العالم سيأتون إلى جماعتنا الأخويّة ويعتبرون شرفاً كبيراً بأن يذهبوا لطلب الصدقة مع بركة الرب. عليكم إذن أن تذهبوا دون حياء بشري وأن يملأ قلبكم فرح يفوق فرح من يستبدل قرشاً واحداً بمائة دينار. فمن يتصدق عليكم، تهدونه حب الله بدل صدقته لمّا تقولون: "حباً بالرب الإله، أعطونا حسنة"، فإنّ السماء والأرض دون قيمة مقابل حب الله. وبما أن عددهم آنذاك كان قليلاً، فلم يكن بإمكانه أن يرسلهم اثنين اثنين، لذلك أرسلهم إلى القرى والمزارع كلاً بمفرده. عند عودتهم، كان كل واحد منهم يعرض على فرنسيس ما جمعه من حسنات وكانوا يقولون لبعضهم: أنا جلبت أكثر منك ففرح فرنسيس عند رؤيتهم بمثل ذلك السرور وتلك الروح الطيبة. ومنذ ذلك الحين، صار كلّ منهم يطلب بطيبة خاطر الإذن للذهاب لطلب الصدقة.