الاقتران بالسيدة الفقر
" قم، يا فرنسيس، ورمم بيتي المتداعي". هذا ما سمعه فرنسيس، وإذا بفرنسيس يدرك، في تواضعه، أن الله لا يدعوه إلى بناء كنائس من حجارة فحسب، بل إلى بناء كنيسة النفوس أيضاً، وقد توصّل إلى ذلك بفضل نعمة الله، التي كثيراً ما تستخدم لسان الحوادث. وكان أول تلك الحوادث هجر فرنسيس لوالده.
فقد اشمأزّ هذا من رؤية ابنه يعرض عن النيا، ويبيع المنسوجات، فخفّ إلى كنيسة القديس داميانس، وانهال على رئيسها بالتوبيخ الشديد، لقبوله عنده الشاب "مجنون الله".
ثم أمر ابنه أمراً قاطعاً بالعودة إلى البيت الوالدي والعناية به.
لكن تصميم فرنسيس كان غير ذلك، وقد فهم ما يقصده الرب من القول، بوجوب ترك كل شيئ، حتى الأُسرة، والالتحاق به.
والآن، فها هو والده يرجعه إلى البيت، ويسجنه في حجرة، وبالرغم من هذا، بادرت أمه وأطلقت له الحرية، فعاد يرمّم الكنائس. وإذ رأى الوالد أن لا فائدة من التهديد والانذار، رفع الأمر إلى القاضي المدني، لكن فرنسيس احتجّ بأن أمره منوط بالمحكمة الكنسية.
وعندئذ جرى هذا المشهد بمرأى من المدينة كلها: فقد مثل فرنسيس بين يدي أسقف أسيزي، ولساعته خلع ثيابه بطيبة نفس، وردّها إلى والده قائلاً: "إلى الآن دعوتك أبي على الأرض، أما فيما بعد فأقول في صواب: "أبانا الذي في السموات!".
هذا الفعل الغزير المعنى، لأشبه ما يكون بطقس ديني: إنه يدّل على اقتران الأخ فرنسيس بالسيدة الفقر.