النزاع والموت
اشتدت عليها الآلام شيئا فشيئا. وبلغ منها الضعف حتى انها لم تعد تستطيع ان تأتي بأية حركة بدون مساعدة. كل شيء يؤلمها، حتى الحديث الخافت الذي تسمعه.
ومع ان الحمى باتت لا تفارقها، فالابتسامة كانت لا تفارق ثغرها. وفي احدى الليالي، زارتها الاخت الممرضة، فألفتها ضامة يديها ورافعة عينيها نحو السماء، وقالت لها تريزة:
"نعم يبدو لي اني لم ابحث قط الا عن الحقيقة ...نعم فهمت اتضاع القلب".
وجاء يوم 30 ايلول سنة 1897، وهو اليوم الأخير لمنفاها على هذه الأرض. وبلغت فيه آلامها اقصى ذروتها.
وبدت عليها اعراض النزاع في نحو الساعة الرابعة مساء، وأخذ العرق يتصبب من جبينها، وهي تضم المصلوب بيديها الضعيفتين لكي تخوض المعركة الحاسمة. وحينما رن جرس الدير معلنا صلاة التبشير، حدقت تريزة بصورة العذراء تحديقا يتعذر الاعراب عنه، وكأني بها تستعيد في ذاكرتها ما كتبته يوما:
انتِ التي ابتسمتِ لي في فجر الحياة،
ابتسمي لي مرة اخرى، يا أماه، فقد أقبلَ المساء...