تكوين العقل
حين أدخِلَ المسرح والنشاطات الفنّيّة في أنشطة التعليم. أثيرَت انتقادات كثيرة. فقال الناس إنّ المربّي، بدل أن يدرّب المتربّين على تذوّق الله وإغناء المعارف، لا يسعى إلاّ إلى التدريب على الذوق السليم والعادات الجميلة، شأنه في ذلك شأن أساتذة آداب الحياة الاجتماعيّة. ولازال بعض الأشخاص، حتّى من بين المربّين، يعتبرون النشاطات الفنّيّة والرياضيّة أموراً لا تمسّ للعمليّة التربويّة بصِلة. فهم يفهمون العمليّة التربويّة كعمليّة تعليميّة صرفة، ولا يليق بهيئة تربويّة تعليميّة أن تنظّمها، وهي مضيعة لوقت الأولاد. إنّهم يستهجنون أيضاً كلّ نشاط جسديّ أو ترفيهيّ أو فنّيّ، ويعدّونه مضيعة للوقت، لأنّ الطفل أو الشابّ في رأيهم هو مجرّد "آلة للدرس وتحصيل العلامات". وكلّ ما خرج عن ذلك فهو من الشرّير.
إنّ موقفنا واضح لا يحتمل الالتباس. إن أردنا العمل من أجل مجد الله، لا يكفينا أن نعلن البشارة ونمنح الأسرار، بل علينا، تحت طائلة عدم الأمانة، أن نهتمّ بكلّ الإنسان، وبكلّ ما يمتّ إليه في حساسيّته ومخيّلته وعاطفته وطموحه وسعيه ومواهبه ونظرته إلى الجمال والحق. لذا، يجب على المربّي أن يستند إلى جميع إمكانات المتربّي ليساعده على أن يصبح إنساناً بكلّ ما في الكلمة من معنى. فلا يقوم دوره على تعليم الجاهل وتثقيفه ليصبح إنساناً مثقّفاً، بل على مساعدته في التقدّم بحسب مبدأ "المزيد" نحو الحقّ وفي الاكتمال إلى أبعد حد. ويتجلّى هذا الأمر في أسلوبنا التربويّ. فنحن لا نشرح كلّ النصوص حول موضوع معيّن، بل نكتفي بقراءة نصٍّ واحد، وهو ما نسمّيه "القراءة التمهيديّة"، وندرّب المتربّي على فنّ التعمّق في فكرة كاتبه وأسلوب تأمّله واستخراج كنوزه، بحيث يصبح قادراً على التفكير والتأمّل والاستنتاج أمام أيّ نصّ يقع بين يديه، سواء كان دينيّاً أو عاديّاً. وبأسلوبنا هذا نعلن عداءنا لحشو الرؤوس.