أ- الله يعطينا أن نعطي
أن أثق بالله يعني أن أضع حياتي بين يديه: القرارات واللقاءات والأحداث المختلفة. يسمح الروح القدس للمسيحي أن يفسّر وقائع الحياة ويبيّن له من حين إلى آخر عمل الله الجليّ. وكما يشير المزمور فالله "موجود في كل آن وفي كل مكان" فلا شيء يخفى عن معرفته حتى لو احترم حريتنا إلى أقصى الحدود: "من ورائي ومن قدامي يحيط بي، وتجعل عليّ يدك. معرفتك هذه ما أعجبها. هي أسمى من إدراكي. أين أذهب وروحك هناك؟ وأين أهرب من وجهك؟ إن تسلّقت السماء فأنت فيها، وإن نزلت إلى عالم الأموات فأنت هناك. إن اتخذت أجنحة السحر وسكنتُ في أقاصي اليمّ، فهناك أيضاً يدك تهديني ويمينك تمسكني". (المزمور 139: 5-10). اهتمام الله هذا هو عناية "مُحبّة" لكل من مخلوقاته، وهذه الحماسة التي تدفعنا نحو الآخر لاكتشافه وخدمته ومحبته إنما مصدرها أعماق قلبنا.
والمسيح يشهد بطريقته لهذه الحماسة المتجهة نحو الجميع. وبدون أن يكون المرء متزوجاً، يبيّن لنا أن الحب غيريّ (يفضّل حاجات الآخرين على حاجاته الخاصة) أي منفتح وقابل لتقديم ذاته إلى "الغير". وإذا كان الطريق الأقصر من الإنسان نحو ذاته يمر بلقاء الآخر فلأن الله أراد الأمر كذلك وذكّرنا به في المسيح. حين نقدّم حياتنا نجدها، ويقول الرب: من يفقد حياته لأجلي يربحها. هذا الخروج من الذات نحو الآخر يجد أساسه في المسيح، فأن ننقذ العالم لأجل المسيح يعني أن نتيح لكل شخص إمكانية تقديم ذاته حتى النهاية في جميع القرارات المتخذة وجميع العلاقات المعيشة. والرجل والمرأة ليسا وحيدين حين يقدّمان ذاتهما الواحد إلى الآخر فالله في صميم عملهما.