2- هبة كلية
لم تقديم الذات؟ ما هو الهدف من هذه الهبة المتطلّبة والكاملة التي تستحوذ على الشخص بكامله؟ الغاية من العطاء هي تكوين الوحدة الزوجية والعائلية.
بهذا المعنى فإن العطاء الشخصي "منفتح" في الوقت ذاته إلى ما هو أعظم من الشخص الذي يهب ذاته وإلى حقيقة تتجاوزه هي الزوجان والعائلة. ليس الأشخاص "عبيداً" لهذا الكيان المبهم بل هم في خدمة "سر" يتجاوزهم إلا أنه لا يتحقق إلا بمشاركتهم وحضورهم. للهبة هذا البعد، لذلك يبدو طبيعياً أن تكون كاملة. وكل شخص يجد ذاته في وحدة جديدة: "جسد واحد".
تفترض مثل هذه الهبة ثقة جذرية لا حدود لها إن كان في الشخص الذي يهب ذاته أو في من يتلقى هذه الهبة الشخصية. وكل من القرينين يقدم أفضل ما فيه وفي الوقت ذاته حدوده ونقصه وضعفه. إنه يقدم كل شيء حين يهب ذاته. ولا يمكن للقرين أن يبقى عازباً، إنه قرين للآخر أي إنه يستسلم للغير في "عريه" أي في حقيقة الشخص كما هو تماماً. من المؤكد أن هذه الحقيقة تقريبية وغير معروفة تماماً إنما يتم اكتشافها من خلال تقديم الذات. يُظهر الوعد حقيقة كل شخص، فهناك قفزة يجب القيام بها ومخاطرة يجب خوضها، وهي التي تسمح باكتشاف الجديد.
ليست هذه الهبة ذوباناً أو إضعافاً للشخصيات ضمن كلّ متجانس أو ضمن كيان يُخضع الحريات الإنسانية، وليس الكيان الزوجي مؤسسة صغيرة يجب التضحية بكل شيء في سبيلها. إن كنّا نتحدث عن الهبة الكاملة والحصرية فذلك ضمن الشرط التالي: أن يحافظ كل واحد على شخصيته وأن يجد في هذه الهبة "الأرض الملائمة" كي ينمو ويقوى ويزدهر في الحب. إنه لصحيح وإن كان صعباً أننا نستطيع أن نحافظ على شخصيتنا ونحن ننظر إلى الآخر نظرة إعجاب وتشجيع، وأن نحافظ على شخصيتنا ونحن نحب الآخر باحثين عن تقدّمه. ضمن هذا الشرط يزدهر الحب وتتشكل الوحدة الزوجية. ومعاً، نبني في الحب ما يتجاوزنا وفي الوقت ذاته ما يسمح بأن نكون ذاتنا في أعيننا وأعين الآخرين وعينيّ الله.