المعنى الرَّوحيّ يتحاشى المثاليّةَ في الجنسِ
رأينا أنَّ المعنى الرَّوحيّ يصل إلى الكشفَ عن الحقيقةِ النهائيّةِ للجنسِ، التي هي الحقيقةِ الأسراريّةِ. ومِن المؤكدِ الآن أنَّه بدون الفهمِ الرَّوحيّ لهذه الحقيقةِ، فإن التَّفكيرُ التأملي حول الموضوعِ يمكن أنْ يخدعنا ويضللنا، وقد يقودنا إلى مثاليّةِ مغلوطةِ تقودنا بدورها إلى نوعٍ مِن عبادةِ الأصنامِ، تأليهٍ للجنسِ؛ وبالتَّالي يمكنها أمام عدمِ التَّوافقِ المُستمرِ مع الواقعِ المعاشِ أنْ تنتهي بنا، إلى خيبةِ أملٍ مريرةٍ.
فالمثاليّةٌ، عندما تصطدم مع الحياةِ، تُنشئ ردةَ فعلٍ عكسيّة؛ فبدلاً مِن المثاليّةِ المزعومةِ، تَنشأ رؤيّةٌ طبيعيّةٍ أي رؤيةٌ ماديّةٌ للجنسِ، ومِن ثَمَّ يحمل عدمُ التوافق بين الواقعِ الفعليّ المُعاشِ الناتج من المثاليّةِ، إلى اتهام الأشخاصِ والشَّكوى منهم؛ فيبدأ الشَّريكان في إلقاءِ اللوم على الظروفِ والأحوالِ، أو يعتقدَ أحدهما تحت الإحساس بالذَّنبِ، بعدمِ قدرته على أنْ يحيا الجنسَ بشكلٍ سليمٍ.
عندما ننظر إلى المراحلِ التَّاريخيّةِ المُختلفةِ والثَّقافاتِ المُتنَّوعةِ، يتضح لنا وكأنَّ بعضَ الثَّقافاتِ، كانتْ تُؤلّه الجنسَ، واضعةً إياه في صبغاتٍ تصوفيّةٍ؛ في حين أنَّ المجتمعَ وقتها لم يكن قادراً بَعدُ على أنْ يحيا هذه الصبغاتِ التَّصوفيّةِ بشكلٍ مُتزنٍ. حدث نفسُ الأمرِ أيضاً في البيئاتِ الثَّقافيّةِ التي تمَّ فيها تأسيسُ "مثاليّةٍ أخلاقيّةٍ/ فلسفيّةٍ" كبيرةٍ مُتعلِّقةٍ بالجنسِ، فبالمثلِ لم تكن الناسُ حينئذٍ قادرة أنْ تحيا مثلَ هذه المثاليّاتِ؛ فكانوا مِن ثَمَّ يصطدمون بالواقعِ المُعاشِ المُختلفِ تماماً عن المثاليّةِ؛ وقد انتهى بهم الحالُ لأنْ يبتكروا لأنفسهم مجالات أخرى للهروبِ والتَّنفيسِ.