الحبُّ وَحدْةٌ مُحققةٌ
يُوحي لنا الفصحُ بالمعنى الرُّوحيّ للجنسِ. وقد رأينا أنَّه يمكن للجنسَ أنْ يُصبحَ حافزاً أو دافعاً بالنسبةِ للإنسانِ يُخرجه مِن قوقعته ويتجِّه به بقوةٍ نحو الآخر، بحيث يبدأ الإنسانُ في هجرِ أحكامِ الأهواءِ والجسدِ، حتى يُكمِّل هذا البُعدَ الجنسَي في رؤيةٍ روحيّةٍ إلهيّةٍ.
تأتي بالتّالي لحظةُ اختيارِ شريكِ الحياةِ بالنسبةِ للشخصين، مِن خلالِ مسيرةِ انجذابهما الواحدِ للآخر، ومِن خلالِ اكتشافهما الواحدِ للآخر. وفي هذه اللحظةِ بالذَّاتِ، يكون الحبُّ، قبل كلِّ شيءٍ، "عملاً عقلياً"؛ لأنَّه إمَّا أنْ تنتهي عَلاقةُ الحبِّ هذه، وإمَّا أنْ تستوجبَ بالعكسِ قراراً جذريّاً في التَّنازلِ عن الإرادةِ الشّخصيّةِ؛ فليس ثَمَّة وسيلةٌ أخرى. فللوصولِ إلى الاتحادِ الكاملِ الحاسمِ، لا مفرٌ مِن التَّضحيّةِ بالأنانيّةِ التّي تقود إلى الفرديّةِ وتأكيدِ الذَّاتِ الأنانيّ. ولكن الواقعِ يقول أن كل ما بداخل الإنسانِ يثور ضد التَّضحيّةَ؛ وحتى السَّيدَ المسيح عندما اقتربٍ من لحظة التَّضحيّةِ تحوَّل عرقه إلى دمٍ، وطلب مِن الآبِ أنْ يعبرَ عنه هذه الكأسَ؛ وذلك لأنَّ التَّضحيّةَ أمرٌ مُخيفٌ مُفزعٌ والإنسانُ لا يملك معها أيَّ يقينٍ في استعادة ما ضحى به، ولكنَّ الحبَّ يضمن مُسبقاً أنْ تعويضَ التَّضحيّةِ سوف يكون عظيماً؛ فضمانَ الحبِّ يعني أنه: عندما يُضحِّى الشَّخصَ بنفسه، فإن الحبُّ يقنعه باطنياً بأنَّه بَعد الموتِ هناك القيامةُ.