بهذا أعلنوا أنه خلال فضائل متنوعة يمكن الاقتراب إلى الله. وهكذا انقضى النصيب الأكبر من الليل في هذه المناقشة، وأخيرًا تكلم الطوباوي أنطونيوس قائلاً:
[حقًا إن كل هذه الأمور التي ذكرتموها نافعة وضرورية، وتعين المتعطشين إلى الله والراغبين في الاقتراب منه. لكن هناك حوادث لا حصر لها واختبارات للبعض تؤكد لنا بأن هذه في (ذاتها) لا تهبنا العطايا العظمى.
فالبعض مارسوا الصوم والسهر، وانسحبوا بشجاعة إلى الوحدة بقصد ترك كل شيء تركًا كاملاً، حتى أنهم لم يسمحوا لأنفسهم بأن يكون لديهم أكلة يوم واحد، أو يكون في جيبهم فِلْس واحد مكرسين حياتهم لأعمال الرحمة، ومع هذا وجدناهم يسقطون فجأة ولا يستطيعون القيام بما كانوا يصنعون من قبل... بل تتحول غيرتهم وأعمالهم المُطوّبة إلى نهاية مؤسفة.
ويمكننا إذا ما تتبعنا بدقة أسباب انهيارهم وسقوطهم نعرف الأمر الرئيسي الذي يقودنا إلى الله فإذ تتزايد فيهم أعمال الفضائل المذكورة ينقصهم "التمييز"، وهذا منعهم من الاستمرار في الجهاد.
وسبب سقوطهم الواضح هو عدم أخذهم بتعاليم آبائهم[2] الكافية التي بها يحصلون على الحكمة والتمييز، فتطرفوا في جانب من جوانب الفضيلة.]
يعلم التمييز أن يسير الإنسان في الطريق الملوكي، من غير أن يسمح له بالتطرف اليميني في الفضيلة، أي المغالاة وتجاوز حدود الاعتدال في جسارة ووقاحة، كما لا يسمح له بالكسل…