فحزن وخاف أن يموت صديقه قبل أن يتصالحا ويتصافيا. فلاقاه على الطريق وانطرح عند قدميه طالبًا أن يغفر له. فازدراه ولم يجبه. فكرّر نيكفورس ما فعله مرّة وأخرى، حتّى إنّ الجنود الذين كانوا يسوقون الكاهن سخروا منه لأنّه يحاول نيل رضا إنسان لا يلبث أن يموت، فلم ينل منه سوى الازدراء.
ولمّا انتهوا إلى مكان الإعدام، كانت نعمة الروح القدس قد فارقت ذلك الكاهن الحقود. ولمّا رأى سبريسيوس السيّاف يتهيّأ لقطع رأسه ارتعدت فرائصه هلعًا.
فما كان منه إلاّ أن صرخ: 'لا تفعل، فأنا طوع أوامر القيصر وعبد للآلهة'. وقع هذا الكلام كالصاعقة على نيكفورس الذي كان مازال واقفًا ينتظر لعلّه يحظى بغفران الكاهن، واشتعل قلبه بالغيرة المقدّسة وأخذ يصرخ:
'أنا مسيحيّ، أنا مسيحيّ'. فأطلق الجنود سراح الكاهن الجحود الذي لم يطع قول الربّ (متّى 6: 14 -15)، وقطعوا رأس نيكفورس، فنال إكليل الشهادة جزاء تواضعه ومحبّته'. ما هو ثابت في كشوفات الكتب المقدّسة أنّ الله لا يغفر لنا لأنّنا نغفر نحن للآخرين.
ولكن لأنّه يغفر ينتظـر أن نغفـر نحن أيضًا. فرحمـة الله أوّلاً تفهمنـا عملـه الخلاصيّ وتحدّد سلوكنـا مع الآخريـن، وهي تعطينـا أن نمتدّ إلى اليوم الـذي سيختار فيه الله مـن تشبّهـوا برحمة ابنه التي هي محكّ الإيمان الصادق والحقيقيّ.
ولا تُدخلنا في تجربة لكن نجّنا من الشرّير هي آخر طلبة في الصلاة الربّيّة. السؤال الذي يطرح ذاته، هو: ما هي التجربة التي يطلب المؤمن من الله ألاّ يدخله فيها؟ ويتبعه سؤال آخر عالجته معظم تفسيرات الصلاة الربّيّة،
وهو : من هو المجرّب؟ والجواب عن هذين السؤالين سنبيّنه في ما يلي. في الكتب المقدّسة وردت كلمتان متناقضتان بمعنى التجربة، هما: الامتحان والإغراء. الامتحان، هو طريقة تأديبيّة يمرّر الله فيها الإنسان (تكوين 1: 22؛ خروج 15 :25، 16: 4، 20: 20؛ تثنية 8: 2، 16؛ قضاة 2: 22، 3: 1 و4؛ 2 أخبار 31: 32)، لينقّيه كما ينقّى الذهب والفضّة (حكمة 3: 6؛ مزمور 66: 10)، هو (الامتحان)، إذًا، فرصة تساعد الإنسان على أن يكتشف إيمانه وتقوده إلى أن يحيا لله وحده.