وإذا عدنا إلى موقع الصلاة في إنجيل متّى، نجد أنّ الربّ بعد أن علّم أتباعه هذه الصلاة، قال لهم: ' فإن تغفروا للناس زلاّتهم يغفر لكم أبوكم السماويّ، وإن لم تغفروا للناس لا يغفر لكم أبوكم زلاّتكم' (6: 14- 15). وهذا يفترض أن يتحمّل أتباع يسوع الحقيقيّون، في أحيان كثيرة، الظلم وأن يبتعدوا عن الحقد ويتنازلوا عن كلّ انتقام (أنظر متّى 5: 39- 40). فالرحمة واجبة في كلّ حال، وهي واجبة قبل الذبيحة. وذلك أنّ الله لا يرضى أن يقف أمامه عابدًا من أظلم قلبَهُ الحقد. يقول الربّ: ' فإذا كنتَ تقرّب قربانك إلى المذبح وذكرت هناك أنّ لأخيك عليك شيئًا، فدعْ قربانك هناك عند المذبح، واذهب أوّلاً فصالح أخاك، ثمّ عُدْ فقرّب قربانك' (متّى 5: 23- 24).
وهذا يؤكّد أنّ الشركة مع الله تمرّ عبر مصالحة القريب، هذه المصالحة التي لا يؤجّلها أمر ولا حتّى تقديم العبادة لله نفسه. ومن الثابت أنّ الربّ أعطى المغفرة مكان الصدارة في حياة الجماعة،
نقرأ: 'فدنا بطرس وقال له: 'يا ربّ، كم مرّة يخطأ إليّ أخي وأغفر له؟ أسبع مرّات؟' فقال له يسوع: لا أقول لك: سبع مرّات، بل سبعين مرّة سبع مرّات' (متّى 18: 21- 22).
وهذا يجب أن نفهمه في سياق تصرّفات الله معنا. فالله الذي رحمته كاملة يدعونا إلى الاقتداء به. دونكم هذه القصّة الرائعة التي توضح أهمّيّة المغفرة: 'كان نيكفورس أنطاكيًّا من عامة الشعب التقيّ البسيط. وكان صديقًا حميمًا لأحد الكهنة ويدعى سبريسيوس.
ثمّ حدث فتور بين الصديقين فنزاع فانقطاع. ودام ذلك زمانًا طويلاً، إلى أن أحسّ نيكفورس بخطئه فقرّر أن يسعى إلى الصلح. فأرسل بعض الأصدقاء المشترَكين إلى الكاهن مرّة ومرّتين طالبًا صفحه. غير أنّ الكاهن سبريسيوس رفض الاعتذار.
ثمّ أرسلهم مرّة أخرى، ولكن من دون جدوى. أخيرًا ذهب نيكفورس نفسه إلى منزل الكاهن يلتمس المغفرة، ولكنّ هذا الأخير كان مصمّمًا على أن يصمّ قلبه عن كلّ اعتذار. وكانت الكنيسة، في ذلك الوقت (أواسط القرن الثالث)، تعاني اضطهادًا مريعًا... فأُمسك الكاهن سبريسيوس وسيق إلى الموت، وخيّره الولاة، قبل تنفيذ القضاء، بين العذاب فالموت وبين أن يجحد المسيح. فأبى أن ينكر الربّ... فعذّبوه، وحكموا عليه بقطع رأسه، وساقوه إلى موضع تنفيذ الحكم. علم نيكفورس بما حدث.