حين يصلّي المسيحيّون 'ليأت ملكوتك' فهم يوجّهون أبصارهم نحو اكتمال الملكوت راجين اعتلانه هنا بتقويض سلطة إبليس وخلاص البشر. ولكنّ هذا، في كلّ حال، لا يعني أنّ هذا الاكتمال المجيد يتعلّق بجهود البشر المخلصين الذين لا يحكمهم، في الدنيا، شرّ أو صنم، ولا يقبلون أن يلطّخوا شرف الآب وحكاية ابنه.
فهؤلاء يعرفون أنّ اكتمال الملكوت سرّ يحفظه الله، وهم في وسعهم، بالشوق، أن يرجوا حضوره كاملاً، وأن يهيّئوا قلوبهم، بودّهم وإخلاصهم، لاستقبال هذا الملكوت الأخير الذي افتتحه يسوع بمجيئه وقيامته. لتكن مشيئتُكَ كما في السماء كذلك على الأرض ليست مشيئة الله في السماء 'إرادة حقوقيّة'، بل هي 'خلاص العالم' (راجع: يوحنّا 6 : 39- 40؛ وأفسس 1: 3 - 10)،
أو كما يقول اللاهوتي الأرثوذكسيّ المعاصر أوليفييه كليمان: هي 'دفع تدفّق حياة، ما يعطي الوجود ويجدّده عندما يتيه'. وهذه المشيئة كشفها الله الآب، في ملء الزمان، في ابنه يسوع الذي لم يكن فيه 'نعم ولا، بل نعم وآمين' (2 كورنثوس 1 : 19)،
وهي التي تطيعها الملائكة في السماء (مزمور 103: 20)، وتعلّيها صلوات القدّيسين (رؤيا 11: 4)، وهي، في الأخير، ما يريد الله أن تظهر في الكنيسة المجاهدة قبل أن يستقبلها في ملكوته الأخير بعد أن تكون قد تخلّصت من كلّ ما يناهض مشيئته.
والله الذي بيّن صدقه وحبّه علانيةً يفعل ما يشاء باستقلاليّة تامّة وقدرة مطلقة. غير أنّ قصده يتحقّق، في العالم، من خلال جوابنا نحن البشر وطاعتنا له كأبناء أحبّاء. فهو يريدنا قدّيسين (1تسالونيكي 4 : 3). ولقد أعطانا روحه ليقوّم تقاعسنا ويقوّي فينا كلّ عزم لنكون موافقين وعاملين 'في سبيل رضاه' (فليبي 2: 13؛ عبرانيّين 13: 21).