فزاد شغفهم بالرجاء الآتي، وانتظار ذلك اليوم الذي يكون فيه الله 'الكلّ في الكلّ'، يوم يعود ويحكم هو نفسه ملكًا على شعبه ويوفّر لهم حياة ملؤها الخير والبركات. جاء يسوع، وأسقط كلّ المفاهيم المغلوطة. ورفض رفضًا قاطعًا اقتراح إبليس الذي عرض عليه أن يملك على 'جميع ممالك الدنيا ومجدها' (متّى8: 4 و9).
وكشف أنّ 'مملكته ليست من هذا العالم'(يوحنّا 18: 36). وأدان كلّ تحريف أو ترقّب للملكوت الأخير ليس مؤسّسًا على 'السهر' (اليقظة) وطاعة الله. وذلك أنّه أراد أن يكشف مرّة وإلى الأبد أنّ الملكوت فيه، وليس هو شيئًا آخر.
ولعلّ أصرح تعبير عن حقيقة الملكوت الذي أتى يسوع يعلنه 'ومكانه' (إذا جاز التعبير)، هو قول الربّ في إنجيل لوقا: 'ملكوت الله في داخلكم' (17 : 21)، وهو يريد أن يقول إنّ المؤمنين بي يشدّهم حبّهم إلى الملكوت الآتي، أو إنّ حبّهم ذاته يجعلهم يذوقون، في هذا الدهر، ما يرجونه في اليوم الأخير،
أو، بلفظٍ آخر، هم الذين يدركون أنّ الهدف الرئيس في حياتهم هو أن 'يمتلكوا الله في نفوسهم'، وهذا، كما يقول الأب ليف (جيله)، لا يعني أن يحتجزوه 'في حياتهم الشخصيّة الضيّقة'، ولكن أن يعملوا ويناضلوا 'لكي ينشروه في ما حولهم'،
وذلك أنّ الله الذي لا تهمّه الممالك والسلاطين يطلب قلوب البشر، فهو جاء من أجل البشر ومات عنهم لمّا أسلمه اليهود للصلب، وحكم عليه العالم، وهزأ به وعيّره، والحقّ أنّ العالم قضى على نفسه لمّا مات ابن الله على الخشبة.