والواقع أنّ يسوع ردّد، في بدء كرازته، ما قاله يوحنّا المعمدان قبله ( والأنبياء عمومًا تناولوا، بوجه خاصّ، موضوع 'مُلك الله'...)، وهو: ' توبوا فقد اقترب ملكوت الله' (متّى 3: 2-4: 17 وما يوازيها). وهذا - في نداء يسوع - يعني أنّه حضر.
أن نؤمن بحضور الملك يعني أن نقبل ملكوته وننتسب إليه. فليس ملكوت الله أرضًا أو سماء، ولكنّه شخص المسيح الذي 'فيه صرنا أبناء'، كما يقول أوريجانس. وليس هو، تاليًا، حدثًا أخرويًّا فحسب، وذلك أنّ 'ما لم تره عين أو تسمع به أذن أو يخطر على بال بشر' (1كورنثوس9: 2)،
يمكن أن يذوق المؤمنون ومضاته هنا في هذا الدهر، وأن يمتشقوا إلى كماله، وذلك في طاعتهم برَّ الله وفي نشوة الأسرار المقدّسة وحياة الشركة. لقد ظنّ بعض الناس أنّ يسوع جاء ليؤسّس مملكة أرضيّة. وفي الواقع أراد بعضهم أن يختطفوه ليقيموه ملكًا (يوحنّا 15 :6). المفاهيم القديمة (الحروب والويلات والاستعمار الرومانيّ...) ساهمت في هذا التفكير واستعجال اليوم الأخير. وذلك أنّ الناس الأتقياء تجعلهم الأزمنة الرديئة أن ينتظروا تغيير أوضاعهم، أو أن يُبطل الله، بحضوره، الزمان والمكان ليحلّ عدله.
والعبرانيّون ذاقوا قديمًا خبرة حكم الله، وقد أعطاهم الله - بعد أن ألحّوا عليه - أن تكون أرض إسرائيل مملكة زمنيّة يحكمها ملك يمثّل الله. وكانت السقطة. وتتالت الخيبات.