فالقلب البشريّ هو، في العمق، سماء الله الحقيقيّة، وما سنقوله في ما يلي هو تفصيل لهذه الثوابت . يعرف العارفون أنّ عبارة 'الأب الذي في السموات' كانت، في التقليد العبريّ، في زمن يسوع، تدلّ - رغم ندرة استعمالها - على تسامي الله وتعاليه وبآنٍ على قدرته وسلطانه في الأرض وعلى 'كلّ الساكنين فيها' (مزمور 24: 1).
ولا يخفى أنّ محرّري العهد القديم أبدوا تحفظًا واضحًا في استخدام لفظة 'أب' للدلالة على الله، وذلك خلافًا لديانات الشرق الأدنى القديم التي الآلهة في أساطيرها آباء عن طريق الإنجاب. الله، في العهد القديم، هو 'أب'، ولكن عن طريق الاختيار (اختار الله إبراهيم ونسله)، وهذا الاختيار يبيّن محبّته وحمايته شعبَهُ ويفترض، تاليًا، طاعة الشعب وأمانته لله. والعبرانيّون، في كلّ حال، ما كانوا يجترئون على التلفّظ باسم الله أو مناداته بدالّة في صلواتهم الشخصيّة (فهذا عندهم يسيء إلى تسامي الله). أمّا يسوع ابن الله الوحيد الذي أتى ليحرّرنا من العبوديّة وينتشلنا من كلّ بعد وجفاف وخوف، فقد علّم أتباعه أن ينادوا أباه بحرّيّة ودالّة:
وذلك أنّه أراد أن يكشف أنّ الله هو أب حنون ومترئف لا بإسرائيل فحسب، ولكن بالبشر جميعًا. لقد فتح يسوع باب الملكوت لجميع البشر، وألغى كلّ مسافة وعرق وجنس ولغة، وذلك لأن السماء لا تظلّل أناسًا دون غيرهم، وأكّد، تاليًا، أنّ ما يطلبه الله من البشر جميعًا هو أن يثقوا برحمته وقدرته وأن يحيوا أخوة مع البشر كافة.