فلنعمل ما يليق بهذا السر:
ولكنني أطلب منكم، كما تفرحون بها، أن تفعلوا كما يليق بنعمة الميلاد الجديد. وأن تفتخروا كما يفتخر الكثيرون بالميلاد الجديد، وبهذا التجديد الخلاصي، وأروني التغير في طرقكم الذي يجب أن يتبع حصولكم على النعمة السرائرية، وأظهروا في طهارة سلوككم الفرق الذي حدث في تغيركم إلى الأفضل.
فبالنسبة لما نراه بعيوننا لم يتغير شيء.. فخصائص الجسد تظل بلا تغيير وكذلك شكل الطبيعة الظاهرة. ولكن لابد من دليل ظاهر نتعرّف من خلاله على الإنسان الذي ولِد من جديد، حتى نستطيع، من خلال البراهين الواضحة، أن ُنفرِّق بين الإنسان العتيق والجديد. وأعتقد أن هذه الأشياء ?البراهين? توجد في ميول النفس، حيث تفصل النفس ذاتها عن حياتها القديمة وتدخل في سلوك جديد وتَظْهر بوضوح لمن يعرفوها أنها قد تغيرت عن شكلها القديم، وأصبحت لا تحمل داخلها أي شيء من سماتها القديمة.
إن اقتنعتم بكلامي وحفظتم ما أقوله فهكذا يكون التغير. فالإنسان قبل المعمودية كان شهوانياً، طمَّاعاً ومشتهٍ ما للغير، قبيحاً، كذَّاباً، وشتَّاماً ومتَّصِفاً بكل ما يرتبط بهذه الأمور وبكل ما يتطور منها. ولكنه الآن أصبح مسالِماً، معتدِلا وَقنوعاً ومساعداً للفقراء، صادقاً، بشوشاً ورقيقاً، أي أنه باختِصار أصبح سالكاً في كل سلوك يستحق المديح. فكما أن الظلمة تنقشِع بالنور، وكما يختفي السواد عندما يطغي عليه البياض، هكذا يختفي الإنسان العتيق عندما يتحلَّى بأعمال البر.