هكذا أيضًا فإن الفلاح يشقى ويحرث الأرض ويقلبها ويلقى البذور وينفق كل ما يملك ويصبر على البرد والصقيع والأمطار وعلى متاعب أخرى كثيرة، لكن بعد كل هذا التعب ينتظر أن يرى ظهور السنابل وأن يملأ أجرانه بالقمح. أرأيت إذن كيف يكون التعب أولاً ثم بعد ذلك المكافأة؟ من ناحية، فإن المكافأة هي أمر غير واضح ، بينما التعب هو أمر واضح، المكافأة توجد داخل الرجاء (في المستقبل) بينما التعب يوجد في الحاضر.
هكذا فإن الفلاح إن لم يتطلع لي الأمور غير المنظورة، فإنه ليس فقط سيترك حرث الأرض وإلقاء البذور بل إنه لن يغادر منزله بالمرة لكى يعمل هذه الأمور.
كيف لا يكون إذن أمر غير معقول، أنه بينما في أمور هذه الحياة يستطيع الإنسان أن ينظر لي الأمور المحتجبة قبل أن يرى الأمور الظاهرة. فإنه يصبر على المتاعب ويتحمل كل المصاعب السابقة، ثم ينتظر الخيرات ويتلامس مع الأمور الظاهرة ناظرًا بالرجاء للأمور غير الظاهرة. بينما فيما يتعلق بالأمور المختصة بالله يتردد ويشك ويطلب المكافأة قبل أن يتعب ويظهر صغير النفس ويتضح أنه أقل من البحارة والفلاحين؟!
ليس في هذا فقط، لكن في أمر آخر ستظهر أنك أسوأ من أولئك الذين يحزنون لأجل المستقبل. ما هو؟ إن أولئك الذين ليس لديهم إيمان يقيني بالآخرة لا يقبلون على التعب . أما أنت الذي لديك ضمان أكيد للأكاليل فكيف لا تتمثل بصبر هؤلاء البحارة والفلاحين واحتمالهم؟!
فعلى الرغم من أنه في مرات كثيرة عندما يبذر الفلاح أرضه ويزرعها وهو ينتظر أن يرى سنابل وفيرة يحدث العكس، بأن تصيب حقله مثلاً أمطار ثلجية أو يتعرض لجراد ويخسر كل شيء وبعد كل هذا الجهد يعود لبيته بأيدي فارغة . أيضًا القبطان عندما يشق البحار بسفينة مُحملة عن آخرها ، يحدث مرات كثيرة أن تهاجمه الرياح في مدخل الميناء ويرى السفينة تصطدم بصخرة وتنكسر ويُنقذ هو وحده مجردًا من كل شيء.