خطورة عدم الإيمان بالأمور التي لا ترُى بعيون الجسد:
٤.إن لم يكن هذا الإيمان موجودًا في المعاملات بين الناس، فانظر كيف تكون الفوضى فيها؟ وكيف يترتب على ذلك تشويش مخيف؟
فمَن الذي سَيُبادِل الآخر بالمحبة، -حيث أن المحبة نفسها غير مرئية- إن كان لا يجب أن أؤمن بما لا أراه؟ إذن فالصّداقة بمجملها ستحتضر، لأنها تقوم على الحب المتبادل. كيف يُقبل الحب إن كان غير ظاهر؟
وعندما لا توجد الصداقة فإن رباطات الزّيجة والقرابة والنسب لن تظل محفوظة في النفس لأن في هذه أيضا يجب أن يكون هناك بالتأكيد اتفاق بروح الصداقة. فالزوج والزوجة َلنْ يتبادلا الحب إذ لن يصدق كل منهما حب الآخر، لأن الحبَّ نفسه لا يُمكنُ أَنْ يُرى. ولن يَشتاقوا أَنْ يَُكونَ لهم أبناءُ، إذا لم يَعتقدوا أنهم سيبادلونهم حبهم .
وإن وُلد أبناء وكبروا، فلن يحبهم والدوهم إذ أنهم لا يرون محبة أولادهم التي في قلوب هؤلاء الأولاد إذ هي غير مرئية. وبُناءً على ذلك لن يصبح تصديق هذه الأشياء التي لا ُترى جديرًا بالثناء، بل يكون طيشًا جديرًا باللوم، إذا كنا نؤمن بأمور لا ُترى.
فكيف أتكلم أيضًا الآن عن الإرتباطاتِ الأخرىِ التي بين الأخ والأخت، والصهر والحمى، وجميع من هم مرتبطينَ سويًا بواسطة أي قرابة أو صلة؟ إذا كان هذا الحب غير أكيد والنية مشكوكٌ في أمرها، سواء كانت نية الأبناء تجاه الوالدينِ أو نية الوالدين تجاه الأبناء. فأعمال المحبة لن ُترد بالمثل لأن ذاك الذي أُحسن إليه لا يعتقد أنه يجب أن يَرُدٌ بالمثل، إذ هو لا يؤمن بوجود ما لا يراه في الآخر.