الفصل التاسع
فى غابة الخطر والرعب
"بأسفار مرارا كثيرة بأخطار سيول بأخطار فى البرية ، فى تعب وكد" 2كو 26:11-27
يا له من فرح ذلك الذى استقبلن به رئيس الرعاة حينما جاء وسطهم، وبعد ان هنأهن بحرارة بحرارة على صعودهن قمة جبل التجريح، وضع يده على جراحات خوافة وفى الحال التأمت .
ثم بدأ يكلمهن عن الطريق الى سيسلكنه: الان يجب عليكن ان تجتزن هذه الغابة التى امامكن واسمها "غابة الخطر والرعب"
فيها ينمو شجر الارز بكثرة لدرجة انه يحجب اشعة الشمس،
فيغطى الغابة الظلام، وتهب العواصف الكثيرة ولكن لا تهتممن لانه لن يؤذيكن شئ ما دمتن سائرات حسب ارادتى .
كان شيئا غريبا ان تجزع خوافة ثانية بعد ان اجتازت تجربة صعود جبل التجريح، ولكن هذا ما حدث:
غابة الخطر والرعب ؟!! الى اين ستقودنى ثانية بعد هذا ؟!!
قالت خوافة بانزعاج .
رئيس الرعاة : انها المرحلة التالية فى طريقك للمرتفعات .
خوافة : لست ادرى كيف تريدنى ان اصعد الى المرتفعات ؟!!
وانت تعلم ان رجلى مازالتا عرجاوان .. لماذا تهتم بى هكذا !!
لماذا لا تتخلى عنى وتتركنى ؟!!
فإن صعودى للمرتفعات اراه مستحيلا .
نظر اليها رئيس الرعاة بجدية : انظرى الى يا خوافة ..
هل تعتقدين اننى اخدعك؟ هل وعدت ولم اتمم او تكلمت ولم افعل؟
ارتعدت خوافة واجابت بندم :
حاشا بل لتكن انت صادقا وكل انسان كاذبا (رؤ 4:3)
فلما رأى رئيس الرعاة انها اجابت بندم تحنن عليها وقال:
انا سأقودك خلال المخاطر .. لا تخافى لانى انا معك ..
ان سرت فى وادى ظل الموت فلا تخافى شرا لان عصاى وعكازى هما يعزيانك (مز 22)
لا تخافى من هول الليل ولا من سهم يطير فى النهار ولا من امر يسلك فى الظلمة ولا من شيطان الظهيرة يسقط عن يسارك الوف وعن يمينك ربوات اما انت فلا يقتربون اليك (مز 91)
فسجدت خوافة عند قدميه وبنت مذبحا وقالت:
ان سرت فى وادى ظل الموت فلا اخاف شرا لانك انت معى.
ابتسم لها رئيس الرعاة معزيا اياها قائلاً: يا خوافة،
لا تتركى خيالك يلعب بك ويرسم لك اخطارا غير موجودة واحذرك بأن اعداءك كامنين لك خلف الاشجار .. فإذا تركت "جبان"
يصور لك مخاوف فستصيرين فى رعب شديد.
ثم اخذ حجرة اخرى، واعطاها اياها لتحتفظ بها،
ثم باركهن وودعهن ليسرن فى طريقهن..
بعد لحظات وجدن "شفقة على النفس"
يطل من خلف شجرة ويصرخ : ما هذا يا خوافة ؟!!
ما هذا الذى يفعله بك وانت ضعيفة ؟!!
يجعلك تسيرين فى طريق لا يسلكه الا الرجال الابطال ؟!!
بعده قام "ندم" وكأن الارض انشقت عنه:
ثم انه لم يكن هناك داع ان يجعلك تسيرين فى هذا الطريق الخطر الذى يليق بالشهداء لانه يوجد طرق سهلة كثيرة قولى له انك لن تسيرى فى هذا الطريق الصعب.
بعدهما قال "جبان" متهكماً:
العلك تظنين نفسك بطلة صغيرة ؟!! انك حقا لمجنونة !!
انبرى بعدهم مرارة قائلا : تماما قلت لك !!
كلما انتهت من مرحلة صعبة قادك الى طريق اصعب !!!
اخيرا تكلم كبرياء رغم انه كان لا يزال يقاسى من اثر السقطة التى نالها على يد رئيس الرعاة : انت تعرفين انه لن يهدأ حتى يذلك ويهينك لان هذا ما يسميه بالتواضع !!
انه سيذلك حتى التراب يا خوافة !!
وبعد مدة اذ رأى الاعداء انها لا تتأثر بكلامهم فارقوها الى حين.
فى البداية لم تكن الغابة موحشة ومرعبة كما يبدو من اسمها ..
ربما كان ذلك بسبب الهواء النقى وبعض من اشعة الشمس التى تسربت من خلال فروع الاشجار ولكن هذا لم يدم طويلا اذ بعد قليل غطت السحب السوداء الكثيفة وجه الشمس وظهر برق يشق عنان السماء، وتبعه اخر ثم رعد مدوى، ثم هطلت الامطار وارتجت الغابة تحت وطأة العاصفة.
اما الغريب حقا،؟ فهو ان خوافة لم تكن تشعر بأى نوع من الخوف،
بل اخذت تردد فى نفسها:
يسقط عن يسارك الوف وعن يمينك ربوات اما انت فلا يقترب اليك الشر.
بعد فترة بدأت العاصفة تهدأ ورأوا جبان يجرى ناحيتهم ويصيح بأعلى صوته: ارجعوا العاصفة القادمة ستكون اسوأ.
وعلى غير توقع قالت خوافة لرفيقتيها:
افعلا مثلى فإنى لم اعد احتمل هذا الجبان.
ثم انحنت واخذت حجارة من الارض وبدأت ترشق بها جبان.
فضحكت رفيقتاها لاول مرة وفعلن مثلها فظهر اعداءها الخمسة من خلف الاشجار التى كاووا يختبئون وراءها واخذوا يفروا هاربين .
اكملت خوافة ورفيقتاها سيرهم حتى وجدن كوخا صغيرا مبنيا فى وسط الغابة، فذهبن تجاهه، ووجدن علامة رئيس الرعاة مرسومة على الباب، ففرحن جدا ودخلن ليسترحن.
وفيما هن جالسات فى هدوء بدأت العاصفة وبصورة اشد واخطر، حتى ان الكوخ كان يهتز وفكرت خوافة فى نفسها:
ان التواجد تحت سقف الكوخ يبعث فى نفسى سلاما لم اكن اتوقعه،
رغم شدة الاخطار من العاصفة فى الخارج .. ان هذه اكثر اللحظات المملوءة سلاما منذ بدأت رحلتى ، حقا ان الساكن فى ستر العلى فى ظل اله السماء يبيت .
وخلال تلك الايام التى امضينها فى الكوخ،
شعرت خوافة انها تحب اشجان والام كما لو كانتا صديقتين عزيزتين عليها.
وذات يوم وجدت الام تنشد هذا النشيد :
ما اجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم.
من هذه الطالعة من البرية مستندة على حبيبها.
من هى المشرقة مثل الصباح. جميلة كالقم. طاهرة كالشمس.
مرهبة كجيش بألوية.
(مقتطفات من سفر نشيد الاناشيد)
خوافة : ما اجمل هذا النشيد يا الام، ارجوك علمينى اياه ..
انه يذكرنى بالموعد بأن تكون رجلى كالايل .
كررت الام النشيد عدة مرات حتى حفظته خوافة عن ظهر قلب واخذت تردده طوال الوقت