وبعد خروجه من المجمع، توجه القديس اغريغوريوس إلى القصر. وغذ خضع عند الإمبراطور وقبل يديه قال له: "جئت يا سيدي، ليس بقصد طلب الأموال والأمجاد لي أو لأصدقائي، ولا لكي ألتمس سماحتكم نحو الكنائس، جئت لأطلب منكم السماح بالانسحاب. أنت تعرف إني وليت بالرغم منى عرش هذه المدينة. وأنكرني حتى أصدقائي، لأني لا انظر إلا إلى مطالب السماء. إني استحلفك أن تقبل استقالتي، فتضيف إلى مجد انتصاراتكم، مجد إعادة الوحدة والوفاق في الكنيسة".
وقد تأثر الإمبراطور جدًا من هذا السمو الروحي، وبألم شديد منح الأسقف ما كان يطلبه في حماس.
وقد ودع القديس اغرغوريوس الشعب بخطاب بديع ألقاه في الكنيسة الكبيرة حضره آباء المجمع وعدد لا يحصى من الشعب. وفيه يوازن بين حالة كنيسة القسطنطينية عندما حضر إليها وبين الحالة التي يتركها فيها، ويشكر الله على إعادة الإيمان المستقيم، وعرض انه تصرف منذ انتخابه بعزوف تام عن أية مصلحة شخصية، وانه لم يمتلك لنفسه شيئا من إيرادات الكرسي الأسقفي، وفي هذا المقال يأخذ القديس على المدينة حبها للاحتفالات وتعظم المعيشة، ولما كانوا يتهمونه بأنه يبالغ جدا في بساطة مظهره وأنه لا يعتني بهاء وظيفته، دافع عن نفسه بهذه الكلمات: "ما كنت أعرف أنه من واجبي أن أنافس القناصل والحكام. وقواد الجيش في الفخامة، هؤلاء لا يعرفون كيف يستعملون أموالهم سوى في مظاهر العظمة الدينونية. كنت أنكر الوصول إلى استخدام مال الفقراء لأجل الأطعمة الممتازة، وركوب الخيول المطهمة، والانتقال في عربة فخمة والصرف على جمع من الخطم. فإذا كنت بتصرفي بأسلوب آخر، قد أسأت إليكم، فإن الخطأ قد وقع، وأرجو أن تغفروه لي".