وقد شكا القديس من هذا القهر. ولم تكن له تعزية بسبب رسامته، فهرب وذهب لمقابلة صديقه القديس باسيليوس لكي يشكو له الألم الذي يحزنه. كان الكثيرون لا يوافقونه على تصرفه فكان بعض الناس يقولون أن هروبه يرجع إلى الكبرياء والعناد أو إلى سبب آخر مماثل. وسرعان ما حكم القديس اغريغوريوس على نفسه، واستوحى تأملات أخرى من عقوبة يونان النبي إذ عوقب لأنه عصى أوامر الله، فرجع إلى نزنيز وكان قد غاب عنها لمدة عشرة أسابيع، ووعظ بها لأول مرة في يوم عيد القيامة.
وتبع هذا المقال مقال ثاني بعنوان "دفاع" برر فيه القديس هروبه. ان مادة هذا المقال هامة جدا. وفيه يتكلم القديس اغريغوريوس عن كرامة الكهنوت وما له من الخطر، وعن واجبات الكهنة، وعن القداسة المطلوبة للتقرب من الهيكل، وللوقوف أمام الله الذي هو الطهارة ذاتها. كذلك يتكلم عن صعوبة توجيه الضمائر، وإعطاء الأدوية المناسبة لمختلف أمراض الأرواح، وعن العلم اللازم للكهنة المقدسين حتى يستطيعوا أن يقطعوا شكوك المؤمنين ويدحضوا الضلالات. ويخرج من هذه التفاصيل جميعها أنه كان محقا فيما توجسه من خوف وهو يرى الحمل الذي هموا أن يحملوه إياه، وأنه كان يلزمه على الأقل أن يستعد لبعض الوقت للكهنوت بالصلاة والتوبة والتأمل. ويضيف إلى ذلك قوله: "أن خشية الحساب الرهيب الذي يطلبه الله عن قيادة الأرواح كان حقا ما جعلني أرفض هذا العمل لبعض الوقت، ولكن، مثل يونان آخر، عدت لكي أكمل واجبات الدعوى التي دعيت إليها، وأرجو أن تسندني الطاعة وسط الأخطار وتكون سببا وسط الأخطار وتكون سببا في أن يعطيني الله النعم التي أحتاج إليها".