وتوقع القديس اغريغوريوس في تلك الظروف سوءا وصرح بأن الإمبراطورية كانت تغذى وحشا في أحشائها، وكان يبنى تشاؤمه هذا على شيء عجيب مبهم يلاحظه الناس على ذلك الأمير. فكانت مشية يوليان مزعزعة، يهز أكتافه، ويحرك رأسه، وكانت عيناه تائهتين وقلقتين، يتكلم ويضحك كثيرا، وكان لسانه السريع لا يقوى دائما على متابعة أفكاره، فكان حديثه في بعض الأحيان متقطعا، وصوته مترددا، وكثيرا ما كان يسأل أسئلة ويرد ردودا لا معنى لها أو تنقصها الصحة.
مغادرته أثينا: وأخيرًا حضرت اللحظة المؤلمة. فقد عزم القديسان اغريغوريوس وباسيليوس أن يغادرا أثينا بعد الدراسة ويفترقا. وتأثرت كل المدينة. كان المعلمون والتلاميذ يحيطون بالصديقين ويستحلفونهما أن يبقيا في المدينة. وشرح باسيليوس أسباب رجوعه إلى وطنه في بيان جعلهم يدعونه يذهب بالرغم منهم، ولكنهم استبقوا اغريغوريوس وألزموه قبول وظيفة أستاذ البلاغة. ولم يكن ذلك لوقت طويل، لأنه بعد قليل إنسحب في غير ضجيج لكي يذهب إلى صديقه في كبادوكية.
ووصل القسطنطينية في نفس الوقت الذي وصل فيه أخوه الطبيب إلى الإسكندرية. وكانت شهرة "سيزير" أخيه حينئذ عظيمة جدًا، حتى أن مستشارى القسطنطينية عرضوا عليه لكي يستبقوه في تلك المدينة وكفلوا له مرتبا كبيرا وزيجة ممتازة ووظيفة عضو في مجلس الشيوخ. وبناء على طلبهم أعطاه الإمبراطور قنسطنس خطابات تخول له أن يكون من مواطني المدينة، وعينه طبيبه الأول. ومع ذلك استطاع اغريغوريوس أن يقنع أخاه بأن يرجع معه إلى مسقط رأسيهما ويكرس فنه له.