صداقته مع القديس باسيليوس: وازدادت سعادة اغريغوريوس كثيرًا بوصول صديقه باسيليوس. كان قد سبق تعارفهما، ولكن صداقتهما غدت حينئذ صداقة حميمة. فأقاما معا وكانا يتناولان طعامهما على مائدة مشتركة، وكانا لا يعاشران من زملائهما إلا أطهرهم وأهداهم. ويبدو أنهما ما كانا يعرفان سوى شارعين فقط من شوارع المدينة: الشارع المؤدى إلى الكنيسة والمعلمين الذين يعلمون الإيمان، والشارع الذي يؤدى إلى المدارس العامة والمعلمين الذين يعلمون العلوم البشرية. وكانا يتركان للآخرين الشوارع التي يذهب الناس عن طريقها إلى المسارح والملاهي العالمية.
كان اهتمامهما كله مركزا في تقديس الروح، وكان طموحهما الوحيد هو أن يصبحا مسيحيين حقيقيين. وكانا يجعلان في ذلك كل مجدهما. كانت حياتهما صارمة جدا، وما كانا يأخذان من المال الذي ترسله لهما عائلتهما سوى القدر الضروري لشراء احتياجاتهما التي لا يمكن الاستغناء عنها، وكان الباقي يوزع على الفقراء. فكانا هادئ النفس/ ولم يكن الحسد ليسبب لهما اضطرابًا: الخير الذي يحدث للواحد كان يسبب فرحا وسعادة للآخر. وكان الواحد يحث الآخر على فعل الخير. وفي غيرة مقدسة كانا يجتهدان في التفوق الواحد على الآخر في ممارسة الصوم والصلاة والتداريب التقوية المختلفة.
كانا رائدين من جهة التقوى، كانا أيضا أولين في العلوم والآداب. وأثارت تلك المعرفة الكثيرة وتلك الفضائل الإعجاب لدرجة أنه حيثما كان الناس يتكلمون عن أثينا وعن معلميها الماهرين، كانوا يذكرون الصديقين العجيبين باسيليوس واغريغوريوس، اغريغوريوس وباسيليوس.
وقد أضافا إلى هذه المعارف الثمينة، معرفة ضرورية أخرى، هي معرفة الناس. وجاء الإمبراطور يوليان إلى أثينا سنة 355، وتعرف عليه القديسان باسيليوس واغريغوريوس هناك، لأنهما درسا معه لبعض الوقت الكتب المقدسة والآداب. وبالرغم من تنكره، وبعده عن الناس كانوا يستشفون من منظره، اضطرابه النفسي.